16 نوفمبر 2014

التحقيق عند المتأخرين!!

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 



قال أبو يعلى: [حكم الرواية عن أصحاب الرأي قال أحمد رحمه الله في رواية أصحاب الرأي: لا يروى عنهم الحديث" وهذا محمول على أهل الرأي من المتكلمين، كالقدرية ونحوهم]

قال الشيخ ابن عقيد الحنبلي في كتابه الواضح في أصول الفقه: [ "فصل وقال أحمدُ: لا يروى عن أهلِ الرَأي وقوله: لا يروى عنهم، في عدة روايات، لا يجوزُ لعاقلٍ أن يحملَه على أصحابِ أبي حنيفةَ.. وإنَّما يحملُ كلامُه في نفي الرِّوايةِ وفي الذمِّ، على أهلِ الأهواءِ الذين ردُّوا السُّننَ بالآراءِ، فأمَّا ما خلا ذلك فلا يُظنّ به"]

وقوله: " لا يجوزُ لعاقلٍ أن يحملَه على أصحابِ أبي حنيفةَ" فلنظر على مدى التحقيق عند أمثال هؤلاء

قال عبد الله في العلل ومعرفة الرجال: " سَأَلت أبي عَن أَسد بن عَمْرو قَالَ كَانَ صَدُوقًا وَأَبُو يُوسُف صَدُوق وَلَكِن أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يرْوى عَنْهُم شَيْء"

قال ابن هانئ في مسائله: "وسئل عن أبي حنيفة، يروى عنه؟ قال: لا"

وقال عبد الله في العلل: "وَسَأَلته عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَ مَا أرى بِهِ بَأْسا وَلكنه جَالس أَصْحَاب الرَّأْي كَانَ جَالس أَبَا حنيفَة"

قال الخطيب في التاريخ: " خْبَرَنَا الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يعقوب، قَالَ: حَدَّثَنَا جدي، ....... وذكر كلاماً وقال جدي (يعقوب بن شيبة الحافظ): سَمِعْتُ أَحْمَد بْن حنبل، يَقُولُ: أول من كتبت عَنْهُ الحديث أَبُو يوسف، وأنا لا أحدث عَنْهُ" إسناده صحيح

وقد اجتنب الإمام أحمد أحاديث أهل الرأي في مسنده ولم يخرج لهم نهائيا كما أفاده الشيخ أبو جعفر الخليفي وكذلك اجتنب الرواية عنهم أصحاب الكتب الستة 

ونقل الخطيب بأسانيد صحاح عن الأثرم أنه قال: "رأيت أبا عبد الله مرارا يعيب أبا حنيفة ومذهبه ويحكي الشيء من قوله على الإنكار والتعجب" وعن المهنى أنه قال: " سمعت أَحْمَد بن حنبل، يقول:ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء" وعن المروذي: " سألت أبا عبد الله، وهو أَحْمَد بن حنبل، عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد،.فقال: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد، لأن له أصحابا "

ونقل الكوسج في مسائله سئل أحمد: " يُؤْجَرُ الرَّجُلُ عَلَى بُغْضِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ" فأجاب أي والله"

وقال الإمام أبو جعفر العقيلي: "حدثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول: حديث أبي حنيفة ضعيف ورأيه ضعيف "

وقال الإمام محمد بن نصر المروزي: "حدثني علي بن سعيد النسوي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل : « يقول لهؤلاء ، أصحاب أبي حنيفة ليس لهم بصر بشيء من الحديث ، ما هو إلا الجرأة"

وأخبر الخلال في الملل والنحل أنه سمع العباس الخواتيمي قاضي طرسوس نقل عن أبي عبد الله أنه قال: " كل من نظر فِي رأي أبي حنيفة إلا كان دغل القلب يذهب إليه"

وروايات الإمام أحمد في ذم أبي حنيفة وأصحابه ورأيه يصعب تعدادها تبلغ العشرات بل وله كتاب في ذكر ما خالفه أبو حنيفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهي مئات! نقله الخلال في جامعه كاملا كما ذكر ذلك الطوسي في مختصر الروضة

ومع ذلك كله قال ابن عقيل: " لا يجوزُ لعاقلٍ أن يحملَه على أصحابِ أبي حنيفةَ"
مع قول الإمام أحمد: " وَلَكِن أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يرْوى عَنْهُم شَيْء "

فما هذا - جهل بمنصوص مشهور عن أحمد بن حنبل أو تجاهل وتحريف ومعاندة للحقائق؟ نسأل الله العافية والغفران

والشيخ ابن عقيل نقل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قد رجع إلى السنة المحضة في آخر عمره وألف في ذلك بعض الكتب

والمقصود هنا الرد على من يزعم أن المتأخرين أصحاب التحقيق ولا يجوز ترك قولهم ولو خالفوا صريح المنصوص عن أئمة السلف

مع التنبيه أن بعض فضلاء المتأخرين رد على القاضي وابن عقيل وغيرهم في هذه المسألة
قال شهاب الدين عبدالحليم بن تيمية في المسودة: "فصل فى قول أحمد ( لا يروى عن أهل الرأى ) تكلم عليه ابن عقيل بكلام كثير قال فى رواية عبد الله أصحاب الرأى لا يروى عنهم الحديث قال القاضى وهذا محمول على أهل الرأى من المتكلمين كالقدرية ونحوهم قلت ليس كذلك بل نصوصه فى ذلك كثيرة وهو ما ذكرته فى المبتدع أنه نوع من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو لهم فى الامهات كالصحيحين"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله في رده على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (2/837)* :" وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة وأصحابه طعناً مشهوراً امتلأت به الكتب ، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئاً فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن"

فليس هو قول الإمام أحمد فقط بل هو يشبه إجماع أئمة السلف وأصحاب الحديث - أن أهل الرأي لا يروى عنهم الحديث 

ومع ذلك لم أجد لهذه المسألة في كتب أصول الفقه ذكرا إلا ما ذكره أبو يعلى وابن عقيل من التحريف وما نقدهم في ذلك شهاب بن تيمية في المسودة وغيرهم تغافلوا عنها تماما مع أن لها علاقة مباشرة ببعض الأبواب التي يتكلمون فيها في كتبهم


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق