09 مارس 2024

التعقيب على الغالين في العربية وعلوم الآلة مع تضييع الأصول

 

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:


غلا بعض الناس كالشيخ الحازمي (هداه الله) في اللغة العربية وزعموا أن الانسان إذا لم يبلغ في علوم العربية مبلغ المجتهدين فهو جاهل أو متوسط في الشرع

وهذا مسلك عموم الشناقطة وعموم الرسوميين المذهبية

وإطلاقه غلط فإن من الأئمة المتفق على جلالتهم عند جميع المسلمين من كان ضعيف العربية لحانا

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا هشيم عَن خَالِد بن سَلمَة المَخْزُومِي قَالَ لقد رَأَيْت ‌إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَرَأَيْت ‌رجلا ‌لحانا

‌ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا يحيى بن آدم قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر عَن عَاصِم قَالَ كَانَ ‌إِبْرَاهِيم رجل صدق وَلَو سمعته يقْرَأ قلت مَا يحسن هَذَا شَيْئا

قال إبراهيم الحربي: "كان أبو حنيفة طلب النحو في أول أمره فذهب يقيس فلم يجئ وأراد أن يكون فيه استاذا فقال قلب وقلوب وكلب وكلوب فقيل له كلب وكلاب فتركه ووقع في الفقه فكان يقيس ولم يكن له علم بالنحو فسأله رجل بمكة، فقال له: رجل شج رجلا بحجر؟ فقال: هذا خطأ ليس عليه شيء، لو أنه حتى يرميه " بأبا قبيس " لم يكن عليه شيء"

وأبو حنيفة إمام عند جميع المتمذهبين مع أنه بهذا الجهل في اللغة التي بالغ فيه وخرج عن حد الاحتمال

وكذلك الإمام مالك ذكر عنه اللحن في مصادر كثيرة

فأخرج الخطيب في كتاب "اقتضاء العلم العمل" (157) قصة عن ابن أخت الإمام مالك، يقر فيها الإمام مالك على نفسه باللحن

وقد ذكر المبرَّد في كتاب "اللّحنَةَ" عن محمد بن القاسم عن الأصمعيّ (اللّغوي المشهور) قال: «دخلت المدينةَ على مالك بن أنس فما هِبْتُ أحداً هيبتي له، فتكلّم فَلَحَنَ، فقال: مُطِرْنا البارَحةَ مَطَراً أي مَطَراً، فَخَفّ في عيني. فقلت: يا أبا عبد الله، قد بَلَغْتَ من العلم هذا المبلغَ فَلَو أصلحتَ من لسانك. فقال: فكيفَ لو رأيتمُ ربيعةَ؟ كُنّا نقول له: كيف أصبحت؟ فيقول: بخيراً بخيراً. قال (الأصمعي): وإذا هو (مالك) قد جعلَهُ (جعل ربيعة) لنفسه قدوةً في اللّحْنِ وعذْراً».

وهذا أخرجه الخطيب أيضاً في كتاب "الفقيه والمتفقه" (2|29) من وجه آخر عن الأصمعي والقصة جاءت من وجوه فلا وجه لإنكارها

أخرج الخطيب في الكفاية عن النسائي أنه قال: "لا يُعاب اللحن على المحدِّثين، فقد كان إسماعيل بن أبي خالد يلحن، وسفيان ومالك بن أنس، وغيرهم من المحدِّثين"

فمالك وربيعة انفق الناس على علو قدرهما في العلم ولم يكونا متخصصين في النحو والعربية وكان لهما لحن

قال الذهبي عن ربيعة:  وكان من أئمة الاجتهاد هـ

وهناك روايات أخرى عن مالك في هذا الأمر رأيت بعضها حتى في كتب مناقبه فالأمر ثابت ومع ذلك هو إمام كبير القدر ومجتهد

ومنهم ابن وضاح الأندلسي الذي نشر الحديث في الأندلس وكان عالم الأندلس قاطبة وله مصنفات في الفقه المالكي وغيره من العلوم

قال ابن الفرضي: «له خطأ كثير محفوظ عنه، ويغلط ويصحف، ولا علم له بالعربية"

وكذلك الغزالي فهو عند الرسومية حجة الإسلام ومجتهد وذكره كثير منهم في المجددين!

والطريف أن الغزالي نفسه ادعى على نفسه الاجتهاد وأنه مجدد على رأس المئة الخامسة في كتابه المشؤوم المنقذ من الضلال!
ومع ذلك لم يكن له بالنحو كبير معرفة!

قال عبد الغافر الفارسي تلميذه: "ومما كان يعترض به عليه وقوع ‌خلل ‌من ‌جهة ‌النحو في أثناء كلامه، وروجع فيه، فأنصف، واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها"

قال الإمام ابن رجب: "وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحواً هو مما يشغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علماً نافعاً. وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال أوله شغل وآخره بغي. وأراد به التوسع فيه ولذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد توسعه في ذلك وقال هو يشغل عما هو أهم منه. ولهذا يقال أن العربية في الكلام كالملح في الطعام يعني أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام وما زاد على ذلك فإنه يفسده"

قال الذهبي في "زغل العلم" (ص19): "النحويون لا بأس بهم، وعلمهم حسن مُحتاج إليه، لكن النحوي إذا أمعن في العربية، وعري عن علم الكتاب والسنة بقي فارغًا بطالاً لعَّابًا، ولا يسأله الله والحالة هذه عن علمه في الآخرة، بل هو كصنعة من الصنائع كالطب والحساب والهندسة لا يُثاب عليها ولا يعاقب، إذا لم يتكبر على الناس ولم يتحامق عليهم، واتقى الله تعالى وصان نفسه".اهـ

فغلو القوم في العربية (والمنطق وأصول الفقه) مع زهدهم في الحديث والآثار شيء يؤثر على أتباعه كثيرا فإنهم يدرسون غرائب الإعراب التي ربما لا حاجة لهم فيها في حياتهم كلها مع أن أكثيرهم لم يقرأ صحيح البخاري كاملا مرة في حياتهم وهذا مخالفة لطريقة أهل العلم من السلف والخلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق