بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن الإمام محمد بن نصر المروزي - من الأئمة المجمع على علمهم وفقههم وفضلهم ومن طالع تصانيفه أدنى المطالعة علم ذلك وعظمه ووقره وتعجب من سعة علمه وحسن فهمه ولطيف فقهه وتبحره في جميع علوم الدين عقيدة وفقها وأصولا وحديثا وغير ذلك
وهو من أئمة الأمصار المجتهدين الذين يرجعون إليهم في صعاب المسائل ودقائق الأمور والذين قولهم معتبر في الاختلاف والاتفاق
وقد خرجت في هذا الزمان طائفة من الناس لهم تشهٍ في رمي أئمة السنة بكل رذيلة وقبيحة وتظاهروا في ذلك بالغيرة على السنة وكذبوا والله إنما مرادهم الإبراز يبتغون من وراء ذلك رفع أنفسهم وأنهم حققوا في السنة ما لم يحققه الأوائل ولا الأواخر وقد صرح بعضهم بذلك فقال السلفية في بلدتنا أقوى سلفية في العالم ثم تطور به الأمر إلى أن قال إن الطائفة المنصورة لا تعرف من القرن الثالث وهذه زندقة وإلحاد وتكذيب صريح لقول النبي ظاهرين على الحق ولقول النبي لا يزال ولقول النبي المنصورة فما المعنى في ظهورها وكونها منصورةً واستمرارها في الأمة وهي لا تعرف من ألوف سنين؟! فهذا التأويل ضرب من التكذيب من جنس تأويلات الباطنية للجنة أو للنار أو لشعائر الإسلام الظاهرة المتواترة كالصلاة والحج وكل عاقل يضحك منه ولكن القوم لا عقول لهم وبسط هذا الموضوع في غير هذا الموضع
وقد تميزت هذه الطائفة بأن لها شهورة عظيمة في تكفير وتضليل حملة الدين وأصحاب العلوم سواء كان بحق أو بباطل ويتمسكون في ذلك بأدنى شيء دون تحقق وعدل وإنصاف وكلما رأؤوا لأحد من العلماء كلاما في أحد غيره تمسكوا به كأنه وحي منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وطعنوا في هذا العالم وشنعوا عليه وعلى من لا يوافقهم على تضليله ورموهم بكل بلية
ومن أمثلة ذلك الدارقطني الحافظ أمير المؤمنين في الحديث والعلل قد تكلم فيه الحجي بكلام قبيح في بعض أشرطته واعتماده في ذلك على قصة مكذوبة لا يستريب في وضعها من له نظر مع أن للدارقطني مخرجا ومحملا حسنا فيها ولم يبال الحجي به وتكلم فيه
ولما بلغني ذلك عنه كنت آنذاك أحسن به الظن فناصحته وأظهر الانقايد للحق ثم كرر نفس المسلك مع أناس آخرين ففهمت أنه أمر ممنهج
والآن الكلام في قضية محمد بن نصر وكلام ابن منده فيه
قال ابن منده الحافظ رحمه الله: " صرح محمد بن نصر في كتاب " الإيمان " بأن الإيمان مخلوق، فإن الإقرار والشهادة، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق. وهجره على ذلك علماء وقته، وخالفه أئمة أهل خراسان، والعراق"
قلت: هذا كلام مردود من وجوه
الوجه الأول: عن أي هجر علماء وقته يتكلم وقد روى عن ابن نصر أئمة علماء وقته
منهم:
1. ابن المنذر
2. ابن خزيمة
3. أبو عوانة صاحب المستخرج
4. أبو العباس بن سراج
5. محمد بن يوسف الشيباني حافظ النيسابور صاحب المسخرج على الصحيحين
وغيرهم كثير ممن هم دونهم
فما علماء وقته إلا هؤلاء وقد رووا عنه ووثقوه فمن الذي هجره غير اللفظية المثبتة ممن يتخبط في المسألة ويقول اللفظ بالقرآن غير مخلوق؟!
الوجه الثاني فإن العلماء كلهم قد أطبقوا على الثناء عليه وتوقيره وجعله إماما في الدين
قال الخطيب حدثنا أَبو نُعيم الحافظ، قال: حَدثنا إبراهيم بن محمد بن يَحيَى المُزَكِّي، قال: سَمِعْتُ عَبد الله بن محمد بن مسلم يقول: سَمِعتُ محمد بن عَبد الله بن عَبد الحكم المصري يقول كان محمد بن نصر المروزي عندنا إماما فكيف بخراسان. (والإسناد صحيح)
قال الحاكم في تاريخ نيسابور: "محمد بن نصر الأمام أبو عبد الله المروزي الفقيه العابد إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة"
قال أبو ذر محمد بن محمد بن يوسف القاضى "كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون رجال خراسان أربعة ابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزى"
قال الحافظ السليماني : "محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء"
قال ابن الأخرم "حدثنا إسماعيل بن قتيبة سمعت محمد بن يحيى (أي الذهلي) غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول سلوا أبا عبد الله المروزى"
وقد ذكره اللالكائي في أئمة أهل السنة والجماعة الذين إليهم المرجع في أصول الدين إذ قال: "بَابُ سِيَاقِ ذِكْرِ مَنْ رُسِمَ بِالْإِمَامَةِ فِي السُّنَّةِ.. وَمِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ:.. وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ"
والثناء عليه كثير وعظيم ولا يعرف فيه جرح غير هذه الكلمة من ابن منده!
ومن أثنى عليه هم كبار أئمة نهاية القرن الثالث لا المتأخرين الذين عند كثير منهم التميع والتوسع في الثناء
فإذا كان ذلك كذلك فقد قال محمد بن نصر: "وَكُلُّ رَجُلٍ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعِلْمِعَنْهُ وَحَمْلِهِمْ حَدِيثَهُ فَلَنْ يُقْبَلَ فِيهِ تَجْرِيحُ أَحَدٍ جَرَحَهُ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ لَا يُجْهَلُ أَنْ يَكُونَ جَرْحَةً فَأَمَّا قَوْلُهُمْ فُلَانٌ كَذَّابٌ فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبَتُ بِهِ جَرْحٌ حَتَّى يُتَبَيَّنَ مَا قَالَهُ"
وهذا الكلام صحيح لا مرية فيه
وإن قال قائل أليس قد بين ابن منده سبب الجرح وهو أنه يقول الإيمان مخلوق واللفظ مخلوق؟
قيل له: لا يقبل منه ذلك لأنه من اللفظية المثبتة الذين يقولون لفظي بالقرآن غير مخلوق ويتخبطون في المسألة ويشنعون على كل من خالفهم بحق أو بباطل فلا بد من النظر في كلام ابن نصر نفسه ليحكم بعد ذلك عليه بالعدل وما دام الأمر يبقى مشكوكا فيه فالأصل حفظ عدالته ومكانته التي ثبوتها متيقن
الوجه الثالث فإن من توفيق الله أني وقفت على كلام ابن نصر نفسه في المسألة
قال محمد بن نصر: "الإِيمَانُ هَاهُنَا عِبَادَةُ العَابِدِينَ للَّهِ، قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ ليَعبُدُوا اللَّهَ مُخلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلكَ دَينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5] وَقَال: {فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلصًا لهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، فَالمُؤمِنُ هُوَ العَابِدُ للَّهِ، وَالعِبَادَةُ للَّهِ هُوَ فِعلُهُ، وَهُوَ الإِيمَانُ، وَالخَالقُ هُوَ المَعبُودُ الَّذِي خَلقَ المُؤمِنَ، وَعِبَادَتَهُ وَكُلُّ شَيءٍ مِنهُ فَالخَالقُ بِصِفَاتِهِ الكَامِلةِ خَالقٌ غَيرُ مَخلُوقٍ، وَلا شَيءَ مِنهُ مَخلُوقٌ، وَالعِبَادُ بِصَفَاتِهِم وَأَفعَالهِم وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُم مَخلُوقونَ.وقال عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإِيمَانِ} [آل عمران: 193]، قَال بَعضُ أَهل التَّأوِيل: يَعنِي القُرآنَ، قَال: وَإِنَّمَا أَرادَ أَنَّ المُنَادِي، هُوَ القُرآنُ ليسَ يَعنِي أَنَّ الإِيمَانَ هُوَ القُرآنُ يَعنُونَ أَنَّهُم سَمِعُوا القُرآنَ يَدعُو إِلى الإِيمَانِ، فَآمَنَّا فَاللهُ هُوَ الدَّاعِي إِلى الإِيمَانِ بِكَلامِهِ، وَهُوَ القُرآنُ فَاللهُ الخَالقُ، وَكَلامُهُ صِفَةٌ لهُ دَعَا النَّاسَ بِكَلامِهِ إِلى الإِيمَانِ أَي دَعَاهُم إِلى أَن يُؤمِنُوا بِرَبِّهِم، فَهَذَا تَأوِيلُ مَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ مَذهَبَ أَهل العِلمِ أَنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنقُصُ."
وهذا كلام صحيح ليس فيه شيء منكر يفصل في المسألة ومراده نفي القدم عن أفعال العباد ومن يشنع عليه في ذلك ويكفره فليفعله في البخاري والطبري وغيرهما ممن فصل تلك التفصيل بل كل أئمة أهل السنة وأهل الإسلام متفقون بأجمعهم على أن أفعال العباد مخلوقة لا ينازعهم في ذلك إلا طوائف من أهل البدع ومن وافقهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه "وفي أتباع هؤلاء من قد يدخل صوت العبد أو فعله في ذلك أو يقف فيه، ففهم ذلك بعض الأئمة، فصار يقول: أفعال العباد أصواتهم مخلوقة، رداً لهؤلاء، كما فعل البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل العلم والسنة"
قال الشيخ أبو جعفر الخليفي حفظه الله في جواب مسألتي: "وَالعِبَادُ بِصَفَاتِهِم وَأَفعَالهِم وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُم مَخلُوقونَ" هـ .لعلهم فهموا من هذا كقول اللفظية وله زلات يسيرة في التسوية بين الإيمان والإسلام وابن مندة تخبط في اللفظ ونقده صادر عن هوى"
الوجه الرابع
قال اللالكائي الحافظ: "َأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْخَفَّافِ بِبُخَارَى يَقُولُ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ , فَجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ , فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ , فَهُوَ كَذَّابٌ , فَإِنَّى لَمْ أَقُلْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيهِ. فَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا مَا أَقُولُ وَأَحْكِي لَكَ عَنْهُ"
فكون برأ البخاري من هذا القول يدل على قبحه عنده
فرحم الله هذا الإمام الجليل الذي قل نظيره في العلم والعمل وكل كتبه غاية في لطف الطريقة والذكاء والاطلاع والتحرير والتبحر في العلوم حتى أن الرجل ألف ردا على ابن قتيبة في اللغة يصلح أغلاطه وابن قتيمة من أهل اللغة ذوي الاختصاص فيه!
فلا ينبغي أن نقول فيه وفي أمثاله من أئمة السنة إلا خيرا وأن نكثر الترحم عليهم وإظهار الثناء عليهم تعليما للعباد ومراغمة للحدادية الضالين الذين يسعون إلى إبطال الدين بتجريح حملته علموا ذلك أو جهلوا
ولا أعني بذلك الأشعرية وأمثالهم من أهل الكلام والأهواء المضلة إنما الكلام في أئمة السنة أمثال أحمد بن حنبل ومحمد بن نصر وابن جرير الطبري وابن خزيمة و والبخاري وعبد الغني والمقدسي وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم من أئمة السنة وورثة الأنبياء وخلفاء الرسل زمصابيح الدجى وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء وأحاطوا من حقائق المعارف بما لو جمعت حكمة الحدادية وغيرهم ممن عداهم وعلومهم إليه لاستحى من يطلب المقابلة وهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية على الحق الظاهرة التي جهلها هؤلاء الجاهلون
وكونهم أخطؤوا في مسائل خفية خفيت عنهم لا يستلزم تضليلهم والطعن فيهم بل لا يقال فيهم إلا خيرا
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فإن الإمام محمد بن نصر المروزي - من الأئمة المجمع على علمهم وفقههم وفضلهم ومن طالع تصانيفه أدنى المطالعة علم ذلك وعظمه ووقره وتعجب من سعة علمه وحسن فهمه ولطيف فقهه وتبحره في جميع علوم الدين عقيدة وفقها وأصولا وحديثا وغير ذلك
وهو من أئمة الأمصار المجتهدين الذين يرجعون إليهم في صعاب المسائل ودقائق الأمور والذين قولهم معتبر في الاختلاف والاتفاق
وقد خرجت في هذا الزمان طائفة من الناس لهم تشهٍ في رمي أئمة السنة بكل رذيلة وقبيحة وتظاهروا في ذلك بالغيرة على السنة وكذبوا والله إنما مرادهم الإبراز يبتغون من وراء ذلك رفع أنفسهم وأنهم حققوا في السنة ما لم يحققه الأوائل ولا الأواخر وقد صرح بعضهم بذلك فقال السلفية في بلدتنا أقوى سلفية في العالم ثم تطور به الأمر إلى أن قال إن الطائفة المنصورة لا تعرف من القرن الثالث وهذه زندقة وإلحاد وتكذيب صريح لقول النبي ظاهرين على الحق ولقول النبي لا يزال ولقول النبي المنصورة فما المعنى في ظهورها وكونها منصورةً واستمرارها في الأمة وهي لا تعرف من ألوف سنين؟! فهذا التأويل ضرب من التكذيب من جنس تأويلات الباطنية للجنة أو للنار أو لشعائر الإسلام الظاهرة المتواترة كالصلاة والحج وكل عاقل يضحك منه ولكن القوم لا عقول لهم وبسط هذا الموضوع في غير هذا الموضع
وقد تميزت هذه الطائفة بأن لها شهورة عظيمة في تكفير وتضليل حملة الدين وأصحاب العلوم سواء كان بحق أو بباطل ويتمسكون في ذلك بأدنى شيء دون تحقق وعدل وإنصاف وكلما رأؤوا لأحد من العلماء كلاما في أحد غيره تمسكوا به كأنه وحي منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وطعنوا في هذا العالم وشنعوا عليه وعلى من لا يوافقهم على تضليله ورموهم بكل بلية
ومن أمثلة ذلك الدارقطني الحافظ أمير المؤمنين في الحديث والعلل قد تكلم فيه الحجي بكلام قبيح في بعض أشرطته واعتماده في ذلك على قصة مكذوبة لا يستريب في وضعها من له نظر مع أن للدارقطني مخرجا ومحملا حسنا فيها ولم يبال الحجي به وتكلم فيه
ولما بلغني ذلك عنه كنت آنذاك أحسن به الظن فناصحته وأظهر الانقايد للحق ثم كرر نفس المسلك مع أناس آخرين ففهمت أنه أمر ممنهج
والآن الكلام في قضية محمد بن نصر وكلام ابن منده فيه
قال ابن منده الحافظ رحمه الله: " صرح محمد بن نصر في كتاب " الإيمان " بأن الإيمان مخلوق، فإن الإقرار والشهادة، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق. وهجره على ذلك علماء وقته، وخالفه أئمة أهل خراسان، والعراق"
قلت: هذا كلام مردود من وجوه
الوجه الأول: عن أي هجر علماء وقته يتكلم وقد روى عن ابن نصر أئمة علماء وقته
منهم:
1. ابن المنذر
2. ابن خزيمة
3. أبو عوانة صاحب المستخرج
4. أبو العباس بن سراج
5. محمد بن يوسف الشيباني حافظ النيسابور صاحب المسخرج على الصحيحين
وغيرهم كثير ممن هم دونهم
فما علماء وقته إلا هؤلاء وقد رووا عنه ووثقوه فمن الذي هجره غير اللفظية المثبتة ممن يتخبط في المسألة ويقول اللفظ بالقرآن غير مخلوق؟!
الوجه الثاني فإن العلماء كلهم قد أطبقوا على الثناء عليه وتوقيره وجعله إماما في الدين
قال الخطيب حدثنا أَبو نُعيم الحافظ، قال: حَدثنا إبراهيم بن محمد بن يَحيَى المُزَكِّي، قال: سَمِعْتُ عَبد الله بن محمد بن مسلم يقول: سَمِعتُ محمد بن عَبد الله بن عَبد الحكم المصري يقول كان محمد بن نصر المروزي عندنا إماما فكيف بخراسان. (والإسناد صحيح)
قال الحاكم في تاريخ نيسابور: "محمد بن نصر الأمام أبو عبد الله المروزي الفقيه العابد إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة"
قال أبو ذر محمد بن محمد بن يوسف القاضى "كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون رجال خراسان أربعة ابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزى"
قال الحافظ السليماني : "محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء"
قال ابن الأخرم "حدثنا إسماعيل بن قتيبة سمعت محمد بن يحيى (أي الذهلي) غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول سلوا أبا عبد الله المروزى"
وقد ذكره اللالكائي في أئمة أهل السنة والجماعة الذين إليهم المرجع في أصول الدين إذ قال: "بَابُ سِيَاقِ ذِكْرِ مَنْ رُسِمَ بِالْإِمَامَةِ فِي السُّنَّةِ.. وَمِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ:.. وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ"
والثناء عليه كثير وعظيم ولا يعرف فيه جرح غير هذه الكلمة من ابن منده!
ومن أثنى عليه هم كبار أئمة نهاية القرن الثالث لا المتأخرين الذين عند كثير منهم التميع والتوسع في الثناء
فإذا كان ذلك كذلك فقد قال محمد بن نصر: "وَكُلُّ رَجُلٍ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعِلْمِعَنْهُ وَحَمْلِهِمْ حَدِيثَهُ فَلَنْ يُقْبَلَ فِيهِ تَجْرِيحُ أَحَدٍ جَرَحَهُ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ لَا يُجْهَلُ أَنْ يَكُونَ جَرْحَةً فَأَمَّا قَوْلُهُمْ فُلَانٌ كَذَّابٌ فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبَتُ بِهِ جَرْحٌ حَتَّى يُتَبَيَّنَ مَا قَالَهُ"
وهذا الكلام صحيح لا مرية فيه
وإن قال قائل أليس قد بين ابن منده سبب الجرح وهو أنه يقول الإيمان مخلوق واللفظ مخلوق؟
قيل له: لا يقبل منه ذلك لأنه من اللفظية المثبتة الذين يقولون لفظي بالقرآن غير مخلوق ويتخبطون في المسألة ويشنعون على كل من خالفهم بحق أو بباطل فلا بد من النظر في كلام ابن نصر نفسه ليحكم بعد ذلك عليه بالعدل وما دام الأمر يبقى مشكوكا فيه فالأصل حفظ عدالته ومكانته التي ثبوتها متيقن
الوجه الثالث فإن من توفيق الله أني وقفت على كلام ابن نصر نفسه في المسألة
قال محمد بن نصر: "الإِيمَانُ هَاهُنَا عِبَادَةُ العَابِدِينَ للَّهِ، قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ ليَعبُدُوا اللَّهَ مُخلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلكَ دَينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5] وَقَال: {فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلصًا لهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، فَالمُؤمِنُ هُوَ العَابِدُ للَّهِ، وَالعِبَادَةُ للَّهِ هُوَ فِعلُهُ، وَهُوَ الإِيمَانُ، وَالخَالقُ هُوَ المَعبُودُ الَّذِي خَلقَ المُؤمِنَ، وَعِبَادَتَهُ وَكُلُّ شَيءٍ مِنهُ فَالخَالقُ بِصِفَاتِهِ الكَامِلةِ خَالقٌ غَيرُ مَخلُوقٍ، وَلا شَيءَ مِنهُ مَخلُوقٌ، وَالعِبَادُ بِصَفَاتِهِم وَأَفعَالهِم وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُم مَخلُوقونَ.وقال عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإِيمَانِ} [آل عمران: 193]، قَال بَعضُ أَهل التَّأوِيل: يَعنِي القُرآنَ، قَال: وَإِنَّمَا أَرادَ أَنَّ المُنَادِي، هُوَ القُرآنُ ليسَ يَعنِي أَنَّ الإِيمَانَ هُوَ القُرآنُ يَعنُونَ أَنَّهُم سَمِعُوا القُرآنَ يَدعُو إِلى الإِيمَانِ، فَآمَنَّا فَاللهُ هُوَ الدَّاعِي إِلى الإِيمَانِ بِكَلامِهِ، وَهُوَ القُرآنُ فَاللهُ الخَالقُ، وَكَلامُهُ صِفَةٌ لهُ دَعَا النَّاسَ بِكَلامِهِ إِلى الإِيمَانِ أَي دَعَاهُم إِلى أَن يُؤمِنُوا بِرَبِّهِم، فَهَذَا تَأوِيلُ مَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ مَذهَبَ أَهل العِلمِ أَنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنقُصُ."
وهذا كلام صحيح ليس فيه شيء منكر يفصل في المسألة ومراده نفي القدم عن أفعال العباد ومن يشنع عليه في ذلك ويكفره فليفعله في البخاري والطبري وغيرهما ممن فصل تلك التفصيل بل كل أئمة أهل السنة وأهل الإسلام متفقون بأجمعهم على أن أفعال العباد مخلوقة لا ينازعهم في ذلك إلا طوائف من أهل البدع ومن وافقهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه "وفي أتباع هؤلاء من قد يدخل صوت العبد أو فعله في ذلك أو يقف فيه، ففهم ذلك بعض الأئمة، فصار يقول: أفعال العباد أصواتهم مخلوقة، رداً لهؤلاء، كما فعل البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل العلم والسنة"
قال الشيخ أبو جعفر الخليفي حفظه الله في جواب مسألتي: "وَالعِبَادُ بِصَفَاتِهِم وَأَفعَالهِم وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُم مَخلُوقونَ" هـ .لعلهم فهموا من هذا كقول اللفظية وله زلات يسيرة في التسوية بين الإيمان والإسلام وابن مندة تخبط في اللفظ ونقده صادر عن هوى"
الوجه الرابع
قال اللالكائي الحافظ: "َأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالْخَفَّافِ بِبُخَارَى يَقُولُ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ , فَجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ , فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ , فَهُوَ كَذَّابٌ , فَإِنَّى لَمْ أَقُلْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيهِ. فَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا مَا أَقُولُ وَأَحْكِي لَكَ عَنْهُ"
فكون برأ البخاري من هذا القول يدل على قبحه عنده
فرحم الله هذا الإمام الجليل الذي قل نظيره في العلم والعمل وكل كتبه غاية في لطف الطريقة والذكاء والاطلاع والتحرير والتبحر في العلوم حتى أن الرجل ألف ردا على ابن قتيبة في اللغة يصلح أغلاطه وابن قتيمة من أهل اللغة ذوي الاختصاص فيه!
فلا ينبغي أن نقول فيه وفي أمثاله من أئمة السنة إلا خيرا وأن نكثر الترحم عليهم وإظهار الثناء عليهم تعليما للعباد ومراغمة للحدادية الضالين الذين يسعون إلى إبطال الدين بتجريح حملته علموا ذلك أو جهلوا
ولا أعني بذلك الأشعرية وأمثالهم من أهل الكلام والأهواء المضلة إنما الكلام في أئمة السنة أمثال أحمد بن حنبل ومحمد بن نصر وابن جرير الطبري وابن خزيمة و والبخاري وعبد الغني والمقدسي وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم من أئمة السنة وورثة الأنبياء وخلفاء الرسل زمصابيح الدجى وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء وأحاطوا من حقائق المعارف بما لو جمعت حكمة الحدادية وغيرهم ممن عداهم وعلومهم إليه لاستحى من يطلب المقابلة وهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية على الحق الظاهرة التي جهلها هؤلاء الجاهلون
وكونهم أخطؤوا في مسائل خفية خفيت عنهم لا يستلزم تضليلهم والطعن فيهم بل لا يقال فيهم إلا خيرا
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق