خطورة أقوال أبي إسماعيل الأنصاري الهروي في العقائد

 

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:


قال الهروي:

"والتوحيد على ثلاثة وجوه
الوجه الأول توحيد العامة الذي يصح بالشواهد
والوجه الثاني توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق
والوجه الثالث توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة

فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن {لا إله إلا الله} وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن {له كفوا أحد}
هذا هو التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة وإن لم يقوموا بحق الاستدلال بعد أن سلموا من الشبهة والحيرة والريبة بصدق شهادة صححها قبول القلب
هذا توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة والصنائع يجب بالسمع ويوجد بتبصير الحق وينمو على مشاهدة الشواهد"

قال العفيف التلمساني في شرحه: هذا توحيد العامة الجهال

قال الأنصاري: "وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة وهو إسقاط الأسباب الظاهرة والصعود عن منازعات العقول وعن التعلق بالشواهد

وهو أن لا تشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا للنجاة وسيلة فتكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها وتعليقه إياها بأحايينها وإخافة إياها في رسومها وتحقق معرفة العلل وتسلك سبيل إسقاط الحدث

هذا توحيد الخاصة الذي يصح بعلم الفناء ويصفو في علم الجمع ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع"

قال ابن تيمية في شرحه: "فإن المراد بالجمع أن يشهد الأشياء كلها مجتمعة في خلق الرب ومشيئته، وأنها صادرة بإرادته، لا يرجح  مثلا عن مثل، فلا يفرق بين مأمور ومحظور، وحسن وقبيح، وأولياء [الله] وأعدائه..وهؤلاء اعتقدوا ذلك أيضا، لكن أثبتوا القدر ونفوا عمن شاهده أن يستحسن حسنة يأمر بها، أو يستقبح سيئة ينهى عنها ; فأثبتوا القدر، وأبطلوا الشرع عمن شاهد القدر. وهذا القول أشد منافاة لدين الإسلام من قول نفاة القدر"

قال الأنصاري: "وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه والذي يشار به غليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا باسقاطها

هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء هذا الطريق وإن زخرفوا له نعوتا وفصلوه فصولا فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء والصفة نفورا والبسط صعوبة

وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال وله قصد أهل التعظيم وإياه عني المتكلمون في عين الجمع

وعليه تصطلم الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون أو يتعاطاه حين أو يقله سبب وقد أجبت في سالف الزمان سائلا سألني عن توحيد الصوفية بهذه القوافي الثلاث

ما وحد الواحد من واحد … إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته … عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده … ونعت من ينعته لاحد"

قال ابن تيمية في شرحه: "قال: " وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره. . . إلى آخر كلامه " وقد تقدم حكايته. فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق، كالجنيد وغيره، حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث، وحقيقة قول هؤلاء الاتحاد والحلول الخاص، من جنس قول النصارى في المسيح، وهو أن يكون الموحِد هو الموحَد"

قال: "وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئا واحدا"

قال الأنصاري: "واللطيفة الثَّالِثَة أَن مُشَاهدَة العَبْد الحكم لم تدع لَهُ اسْتِحْسَان ‌حَسَنَة وَلَا استقباح سَيِّئَة لصعوده من جَمِيع الْمعَانِي إِلَى معنى الحكم"

قال ابن تيمية معلقا: "ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى..ومن ادعى أن العارف إذا شهد القدر سقط عنه الأمر كان هذا الكلام من الكفر الذي لا يرضاه لا اليهود ولا النصارى"

وقال: "وأما الذي لا ‌يستحسن ‌حسنة ولا يستقبح سيئة فهذا لم تبق عنده الأمور " نوعان ": محبوب للحق ومكروه؛ بل كل مخلوق فهو عنده محبوب للحق كما أنه مراد؛ فإن هؤلاء أصل قولهم: هو قول جهم بن صفوان من القدرية فهم من غلاة الجهمية الجبرية في القدر وإن كانوا في الصفات يكفرون الجهمية نفاة الصفات كحال أبي إسماعيل الأنصاري صاحب " منازل السائرين " و " ذم الكلام " و " الفاروق " و " تكفير الجهمية " وغير ذلك فإنه في باب إثبات الصفات في غاية المقابلة للجهمية والنفاة وفي باب الأفعال والقدر قوله يوافق الجهم ومن اتبعه من غلاة الجبرية وهو قول الأشعري وأتباعه وكثير من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة ومن أهل الحديث والصوفية."

قلت: ويدخل في هذا بهذا الكلام جميع الأشاعرة الذين ما فرقوا بين الإرادة والمحبة مثل النووي وغيره

وقال: "ومنتهى متكلميهم وعبادهم تجويز عبادة الأصنام وأن العارف لا ‌يستحسن ‌حسنة ولا يستقبح سيئة كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين"

وقال: "وأما من كان منهم مقرا بالنبوة فأنكر الشرع في الباطن وقال: العارف لا ‌يستحسن ‌حسنة ولا يستقبح سيئة صار منافقا يظهر خلاف ما يبطن ويقول الشرع لأجل المارستان (أي العامة) ولهذا يسمون " باطنية " كما سموا الملاحدة " باطنية " فإن كلاهما يبطن خلاف ما يظهر يبطنون تعطيل ما جاء به الرسول من الأمر والنهي. فمنتهى الجهمية المجبرة إما مشركون ظاهرا وباطنا وإما منافقون يبطنون الشرك"

وقال: "وغاية توحيد هؤلاء توحيد المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام"

قال الأنصاري: "فالإرادة، والزهد، والتوكل، والصبر، والحزن، والخوف، والرجاء، والشكر، والمحبة، والشوق، منازل أهل الشرع. السائرون إلى عين الحقيقة. فإذا أشهدوا عين الحقيقة، اضمحلت فيها أحوال السائرين حتى يفنى ما لم يكن. ويبقى ما لم يزل: ﴿ويبقى وجه ربك﴾ (الرحمن: ٢٧)." (علل المقامات)

قال ابن القيم في شرحه: "فالفناءُ في هذا المشهد لا يُدخِل العبدَ في دائرة الإسلام، فكيف يُجعَل هو الحقيقةَ التي ينتهي إليها سيرُ السالكين، وتُجعَل حقيقةُ الإيمان ودعوةُ الرسل منزلًا من منازل العامَّة! وهل هذا إلا غاية الانحراف والبعد عن الصراط المستقيم، وقلب للحقائق! وكم قد هلك في هذه الحقيقة من أمم لا يُحصيهم إلا اللَّه! وكم عطَّل الواقفون معها من الشرائع، وخرَّبوا من المنازل!"

وزيادة على ذلك فإني وجدت للرجل كتابا باللغة الفارسية يقول فيها إن الحلاج قد أظهر وهو قد أسر نفس المعقتد

آنچه منصور حلاّج گفت من گفتم، او آشكارا گفت من نهفتم.

"قلت ما قاله منصور الحلاج، قاله صراحة، وأخفيته"

وقال الأنصاري في كتابه صد الميدان: "فكلهم عدم إلا هو، إلا ما كان به؛

فكلهم هو.

المطر إذا وصل إلى البحر فقد وصل، والنجم في النهار يختفي؛ ومن وصل إلى مولاه، فقد وصل إلى نفسه." (المقام 99)

فالرجل للآسف فيما يظهر لي والله أعلم أن كل حرقته العقدية كانت لأجل اعتقاده أن فيه مصلحة للعامة وكان يبث فيهم وفي طلبة العلم ما أخذه عن شيوخه الحنابلة أهل الأثر لذا أحبه أهل السنة لكن لم يكن يعتقد أن هذا هو الحق في نفس الأمر بل كان يبث في الفرس والعجم هذه الأمور من العقائد الباطنية

والرجل صحيح الرواية فيما ينقله عن الناس هالك في نفسه

تنبيه: شيخ الإسلام ابن تيمية مر بمراحل في شأن الهروي فكان يعظمه غاية التعظيم في أول الأمر ثم صار يشك فيه لكن يحاول أن يتعذر له ثم طعن فيه أشد الطعن كما نقل عنه الذهبي(وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحط عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب)

 فليس أمره بسهل ولا يقاس في الوضوح بابن عربي وشلته بل وأكثر أهل السنة كانوا يحسنون فيه الظن

مما ينبغي أن يفهم أن السرورية يتكلمون فيه ليس لحبهم للعقيدة الصحيحة فهم يمجدون دولة ابن عربي دولة اللواط والقباب والقحاب التي كانت صريحة في معنى وحدة الوجود

لكن لا يعجبهم ما نقله أبو إسماعيل الهروي في الأشعرية

لكن معليش الرجل ثقة في النقل وهذا الكلام من تكفير الأشاعرة كان كلاما عاما في الحنابلة وأهل الاثر


هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي