الرد على الإمام ابن المبرد في دفاعه عن أبي حنيفة في كتابه "تنوير الصحيفة"

 

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:


قال ابن المبرد: "يخشى على من طعن فيه المقت من الله أو الغضب لأدلائه وأوتاده في الأرض وأوليائه كما في الحديث الإلهي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب "

قلت: هذا مصادرة عن المطلوب فأثبت أولا أنه ولي لله (وهذا الأصل فيه أنه لا يقال في حق شخص معين لأن هذا بين الله وبين عبده) ثم نزِل على الطاعن فيه الحديث

وقد طعن فيه الإمام أحمد فهل يدخل في حكم هذا الكلام؟ والله المستعان

ثم ذكر ابن المبرد عشرة وجوه في محاولة توجيه كلام الإمام أحمد

قال ابن المبرد: "الأول: أنه لم يذم أبا حنيفة إنما أمر بترك الراي فقط لأنه ليس بجار على قواعده وأصوله"

قلت: هذا ليس بشيء بل الإمام أحمد ذمه هو وذم رأيه

قال المروذي: سألت أبا عبد الله وهو أحمد بن حنبل عن أبي حنيفة وعمرو ابن عبيد فقال: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد لأن له أصحاباً" تاريخ بغداد ورجاله ثقات كما قال الشيخ مقبل

قال ابن أبي حاتم: " نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت الحسين بن الحسن المروزي يقول : ذكر أبو حنيفة عند أحمد بن حنبل فقال: رأيه مذموم وبدنه لا يذكر" الجرح والتعديل ورجاله ثقات كما قال الشيخ مقبل

قال الكوسج في مسائله: " ابتلي أهل خراسان بأبي حنيفة"

قال عبد الله: " وَسَأَلته عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَ مَا أرى بِهِ بَأْسا وَلكنه جَالس أَصْحَاب الرَّأْي كَانَ جَالس أَبَا حنيفَة" (العلل لعبد الله) فإذا شكك في رجل بمجالسة أبي حنيفة فكيف يقال إنه لم يذم أبا حنيفة؟

قال عبد الله: سَأَلت أبي عَن أَسد بن عَمْرو قَالَ كَانَ صَدُوقًا وَأَبُو يُوسُف صَدُوق وَلَكِن أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يرْوى عَنْهُم شَيْء" (العلل لعبد الله)

قال المهنا: "قال أحمد بن حنبل يقول ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء" تاريخ بغداد ورجاله ثقات

قال الأثرم: " رأيت أبا عبد الله مرارا يعيب أبا حنيفة ومذهبه ويحكي الشيء من قوله على الإنكار والتعجب" تاريخ بغداد ورجاله ثقات

قال عبد الله: " حدثني أبي. قال: حدثنا إسحاق بن عيسى ابن الطباع، عن ابن عيينة. قال: قلت لسفيان الثوري. لعله يحملك على أن تفتي أنك ترى من ليس بأهل للفتوى يفتي فتفتي. قال أبي: يعني أبا حنيفة" (العلل لعبد الله)

قال العقيلي: " حَدثنا سُليمان بن داوُد القزاز، قال: سمعتُ أَحمد بن الحَسن التِّرمِذي، قال: سمعتُ أَحمد بن حَنبَل، يقول: أَبو حَنيفَة يَكذِبُ" ورجاله ثقات

فكيف يقال بعد هذا وأمثاله أنه لم يطعن فيه هو؟


قال ابن المبرد" "الثاني: أنه قد ورد عنه الثناء على أبي حنيفة والترحم عليه ما يوجب تعظيمه ولم يقل برأيه"

قلت: ما الثناء الذي ورد عنه؟ فم يورد في كتابه هذا شيئا صحيحا فأين هذا الثناء ولماذا لم يذكرها أحد؟

قال ابن حامد: "فأما أهل الرأى فلا خلاف عن أبى عبدالله أن أخذهم بالرأى مع الخبر مقطوع على خطئه فهو الذى يرد عليه ويبين عن خطئه"

قال ابن عبد البر: وعامة الحنبلية اليوم على ذمه، وكان أحمد رحمه الله ممن يسيء القول فيه وفى أصحابه

قال ابن القيم: وأحمد كان يدل على أهل المدينة ويدل على الشافعي ويدل على إسحاق ولا خلاف عنه في استفتاء هؤلاء ولا خلاف عنه في أنه لا يستفتي أهل الرأي المخالفون لسنة رسول الله هـ

وهذا ما عليه عامة تلاميذ الإمام أحمد: حرب الكرماني وعبد الله بن أحمد وصالح بن أحمد والكوسج  وأبو زرعة وأبو حاتم والمروذي وحنبل والمهنا والأثرم وابن هانئ وإبراهيم الحربي والشالنجي وعثمان بن سعيد الدارمي والبخاري 

والشالنجي كان من كبار أهل الرأي ثم تاب وأقر على نفسه بالضلالة! 

قال الجرجاني: سمعت أبا أحمد عبد الله بن عدي الحافظ يقول سمعت أحمد بن العباس العدوي يقول سمعت إسماعيل بن سعيد الكسائي يقول كنت أربعين سنة على الضلالة فهداني الله وأي رجال فاتتني! كان أبو إسحاق هذا ينتحل مذهب الرأي ثم هداه الله وكتب الحديث ورأى الحق في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رد عليهم في كتاب البيان حدثنا بذاك الكتاب محمد بن أحمد الغطريفي حدثنا أحمد بن العباس العدوي حدثنا إسماعيل بن سعيد الكسائي كله من أوله إلى آخره وكان من أصحاب محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة كل مسألة يحكي عنه ثم يرد عليه ه

ولأبي زرعة وإسحاق بن راهويه وأبي ثور مثل هذا الكلام ينصون على أنهم تابوا من الضلالة

ويقول أبو بكر ابن أبي داود: اتفق أحمد وأصحابه على تضليل أبي حنيفة

وقد قرره الخلال

ويطعن فيه ابن بطة

ويقول الأنصاري:   سمعت أبي يقول: قال يحيى بن عمار ((لو كتب يحيى بن عمار عن أحد من أهل الرأي حديثاً؛ فقطع الله أصابعه)). وفي كتاب الأنصاري طعن كثير في أبي حنيفة

فهذا ابن منده وضع كتابا في ذم أبي حنيفة قال فيه: "وهذا الذي قاله يدل على عقد سوء وإضمار رديء ولم يطلق الأئمة فيه ما قالو إلا عن بصيرة.
حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد ثنا رجاء بن صهيب سمعت موسى بن المساور عن جبّر عن سفيان الثوري قال: مات أبو  حنيفة ضالاً مضل"

وعبد الرحمن بن القاسم بن منده طعن فيه 

والنخشبي الحنبلي ضرب بسبب الطعن فيه

وهذا ابن الجوزي قد قال في حقه:  "وبعد هذا فاتفق الكل على الطعن فيه، ثم انقسموا على ثلاثة أقسام: فقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد و الكلام في الأصول. وقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه. وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح"

وقال شهاب الدين بن تيمية لما غلط القاضي في فهم عبارة أحمد "لا يروى عن أهل الرأي شيء" أنه في المتكلمين والقدرية:  "قلت: ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة، وهو ما ذكرته في ‌المبتدع ‌أنه ‌نوع ‌من ‌الهجرة، فإنه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه، ولذلك لم يرو لهم في الأمهات كالصحيحين)"

فيقال بعد ذلك: أين هذه الرواية الثانة عن أحمد وكيف لم يعلم بها أحد من تلاميذه والحنابلة المتقدمون ولا تستطيعون أن تسندوها بسند مقبول ولا عزوها إلى كتاب معروف؟


قال ابن المبرد: "الثالث: أنه مجتهد والمجتهد ليس له تقليد في الرأي"

قلت: هذا أيضا غلط فإن الإمام أحمد لم يحرم اتباع أبي حنيفة في حق المجتهدين فحسب بل حرمه على العامة!

قلت: قال عبد الله: " قَالَ سَأَلت ابي عَن الرجل يُرِيد ان يسْأَل عَن الشَّيْء من امْر دينه مِمَّا يبتلى بِهِ من الايمان فِي الطَّلَاق وَغَيره وَفِي مصر من اصحاب الرَّأْي وَمن اصحاب الحَدِيث لَا يحفظون وَلَا يعْرفُونَ الحَدِيث الضَّعِيف وَلَا الاسناد الْقوي فَلِمَنْ يسْأَل لاصحاب الرَّأْي اَوْ لهَؤُلَاء اعني أصحاب الحَدِيث على مَا قد كَانَ من قلَّة معرفتهم قَالَ يسْأَل اصحاب الحَدِيث لَا يسْأَل اصحاب الرَّأْي ضَعِيف الحَدِيث خير من رَأْي ابي حنيفَة"

قال حرب  الكرماني: " قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَجُلٌ نَزَلَتْ بِهِ مَسْأَلَةٌ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ أَيَسْأَلُ أَهْلَ الرَّأْيِ قَالَ لَا يُسْأَلُ أَهْلُ الرَّأْيِ عَنْ شَيْءٍ الْبَتَّةِ"

قال محمد بن روح: قال أحمد: "لو أن رجلا ولي القضاء ثم حكم برأي أبي حنيفة ثم سئلت عنه، لرأيت أن أرد أحكامه"

قال جعفر بن محمد: " إن أمرني أبي برأي أبي حنيفة، له علي طاعة؟ فقال: لا."

ثم قال ابن المبرد: "الرابع: أنه لم يأمر بترك رأيه فقط إنما أمر بترك كل رأي ولهذا قال: ونحوه"

قلت: هذا أيضا غلط فإن الإمام أحمد قد جعل لرأي أبي حنيفة خصوصية!

قال إبراهيم الحربي: " سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن الشَّافِعِي فَقَالَ حَدِيث صَحِيح ورأي صَحِيح قلت مَا تَقول فِي أبي حنيفَة قَالَ لَا حَدِيث وَلَا رَأْي"

قال ابن هانئ: سألت أبا عبد اللَّه عن كتاب مالك، والشافعي أحب إليك، أو كتب أبي حنيفة، وأبي يوسف؟
فقال: الشافعي أعجب إليّ، هذا وإن كان وضع كتابًا، فهؤلاء يفتون بالحديث، وهذا يفتي بالرأي، فكم بين هذين! ؟
"مسائل ابن هانئ" (1909)

قال ابن حامد: قال الخلال على المذهب انه لا يرى الرد على أهل المدينة قال ابن حامد وانما ذلك على أصل امامنا فى تخطئة أهل الاجتهاد وهل يسوغ لنا القطع بالخطأ أم لا فأهل المدينة قد قال أحمد انهم للآثار يتبعون وان من اجتهد بالاثر فالحق واحد والآخذ بالخبر الآخر معذور فأما أهل الرأى فلا خلاف عن أبى عبدالله أن أخذهم بالرأى مع الخبر مقطوع على خطئه فهو الذى يرد عليه ويبين عن خطئه

 

قال ابن تيمية:  وَكَانَ أَحْمَد يَكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ وَيَقُولُ : إنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْآثَارَ 


قال: "الخامس: أن مذهبه العمل بخبر الآحاد خلافا لأبي حنيفة فقد يكون مراده بالرأي الذي ترك فيه العمل بالآحاد وعمل بالرأي"

قلت: فهذا إقرار من الشيخ أن أبا حنيفة يعمل رأيه في خلاف الحديث وأن مذهب أبي حنيفة مخالفة الحديث لكن هناك تساؤل: ما وجه الإعذار هنا؟ والأشعرية كذلك لهم مذهب في ترك خبر الآحاد في العقائد وهذا قد يكون أوجه من تركه في الفقه

 

قال: "السادس: المراد بالرأي المخالف لمطلق الحديث
السابع: الرأي المخالف لأقوال الصحابة والتابعيين"

قلت: نعم رأي أبي حنيفة كثيرا ما يخالف الحديث وآثار الصحابة فاستحق الترك فلا أدري ما وجه الإعذار؟

قال: الثامن: أن كلام الإمام أحمد ليس ككلام غيره إذ هو قريب منه وهو قبل استقرار المذاهب والمجتهد لا سيما المقارب للمجتهد له أن يقوي مذهبه وتضعيفه قول غيره تقوية لمذهبه"

قلت: أولا:  المبالغة في الطعن في الناس لخطأ 
يسير محتمل والإصرار عليه (إذ ليس هو انفعال عاطفي حصل مرة بل منهج سلك عليه) عيب قبل استقرار المذاهب وبعده

ثانيا: لماذا لم يطعن الإمام أحمد في مالك والثوري والشافعي وأمثالهم بل عظمهم وأثنى عليهم مع أنه كان قريبا منهم وكان هذا قبل استقرار المذاهب وكل هذه العلل كانت واردة؟

نعم وردت عنه بعض الانتقادات لهم في مسائل لكن لم يمنعه ذلك من تعظيمهم وحبهم والثناء عليهم فما بال أبي حنيفة لم يلحقه بهم بل فرق بينهم وبينه؟

ثالثا: هل استقرار المذاهب شيء حسن حتى تحتج به وهل كان الإمام أحمد يستحسن مثل هذه الحال أم كان يحذر منه وينهى عن التقليد؟   ثم كون المذاهب استقرت على شيء ليس حجة بل قد استقرت بعدك على حب أتباع ابن عربي فهل هذا شيء مستحسن؟

قال: التاسع: "أن المجتهد لا يصح قوله حتى يعتقد بطلان مذهب خصمه وحيث اعتقد بطلانه جاز له الأمر بتركه"

قلت: هذا الكلام غريب فإن المجتهد يفرق بين مسائل الحق فيه مقطوع به وبين مسائل الاجتهاد الحق فيه مظنون

ومسائل الاجتهاد يقال فيها: قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب كما ينسب للشافعي أنه نطق بهذه العبارة ولا يقال فيها: رأيه والبعر عندي سواء و"من نظر في رأيه كان في قلبه دغل"!

قال: "العاشر: أنه إنما قال ذلك لمن قلده في اجتهاده ولم يقل لكل أحد"

قلت: هذا أيضا غريب فلماذا حرم على العامة تقليد أصحاب أبي حنيفة وأمر بنقض أحكامهم القضائية؟
وأنت مقلد لاجتهاد الإمام أحمد فلماذا تصنف الكتب في مدح من ذمه؟

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي