بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
1. سلوك سبيل الفلاسفة ورفض التوحيد وتأسيس دين أهل الاتحاد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأبو حامد في مثل ((معراج السالكين)) ، ونحوه، يُشير إلى هذا فإنّ كلامه برزخٌ بين المسلمين وبين الفلاسفة؛ ففيه فلسفة مشوبة بإسلام، وإسلامٌ مشوبٌ بفلسفة.. (ثم نقل كلامه الطويل في هذا ثم قال:
قلت: وكلامه من هذا الجنس كثير، ومن لم يعرف حقيقة مقصده يهوله مثل هذا الكلام؛ لأنّ صاحبه يتكلّم بخبرة ومعرفة بما يقوله، لا بمجرد تقليدٍ لغيره. لكنّ الشأن فيما خبره، هل هو حقّ مطابق.
ومن سلك مسلك المتكلمين؛ الجهميّة، والفلاسفة، ولم يكن عنده خبرة بحقائق ما بعث به رسله، وأنزل به كتبه، بل ولا بحقائق الأمور عقلاً وكشفاً، فإنّ هذا الكلام غايته.
وأمّا من عرف حقيقة ما جاءت به الرسل، أو عرف مع ذلك بالبراهين العقليّة والمكاشفات الشهوديّة صدقَهم فيما أخبروا؛ فإنّه يعلم غاية مثل هذا الكلام، وأنّه إنّما ينتهي إلى التعطيل
ولهذا ذاكرني مرة شيخ جليل له معرفة، وسلوك، وعلم في هذا، فقال: كلام أبي حامد يشوقك، فتسير خلفه، منزلاً بعد منزل، فإذا هو ينتهي إلى لا شيء
وهذا الذي جعله هنا الغايةَ، وهو: معرفة الله، وصفاته، وأفعاله، وملائكته
قد ذكره في المضنون به على غير أهله وهو فلسفة محضة. قولُ المشركين من العرب خيرٌ منه، دع قول اليهود والنصارى.
بل قوم نوح، وهود، وصالح، ونحوهم كانوا يُقرّون بالله، وبملائكته، وصفاته، وأفعاله، خيراً من هؤلاء.
لكن لم يُقرّوا بعبادته وحده لا شريك له، ولا بأنّه أرسل رسولاً من البشر.
وهذا حقيقة قول هؤلاء؛ فإنّهم لا يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له، ولا يُثبتون حقيقة الرسالة، بل النّبوّة عندهم فيضٌ من جنس المنامات
وأولئك الكفّار ما كانوا يُنازعون في هذا الجنس؛ فإنّ هذا الجنس موجود لجميع بني آدم، ومع هذا فقد أخبر الله تعالى عنهم أنّهم كانوا يُقرّون بالملائكة؛ كما قال: {فَإِنْ أَعْرَضُوْا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاْعِقَةً مِثْلَ صَاْعِقَةِ عَاْدٍ وَثَمُوْدَ إِذْ جَاْءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ تَعْبُدُوْا إِلَاّ اللهَ قَاْلُوا لَوْ شَاْءَ رَبُّنَاْ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً}
وقال قوم نوح: {مَاْ هَذَاْ إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيْدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاْءَ اللهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَاْ سَمِعْنَاْ بِهَذَاْ فِيْ آبَاْئِنَاْ الأَوَّلِيْنَ}
. بل فرعون قال لموسى: {أَمْ أَنَاْ خَيْرٌ مِنْ هَذَاْ [الَّذِيْ] هُوَ مَهِيْنٌ وَلا يَكَاْدُ يُبِيْنُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاْءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِيْنَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاْعُوْهُ إِنَّهُمْ كَاْنُوْا قَوْمَاً فَاْسِقِيْنَ}
والعبادات كلّها عندهم مقصودها تهذيب الأخلاق. والشريعة سياسة مدنيّة. والعلم الذي يدّعون الوصول إليه لا حقيقة لمعلومه في الخارج
والله أرسل رسوله بالإسلام والإيمان بعبادة الله وحده، وتصديق الرّسول فيما أخبر؛ فالأعمال عبادة الله، والعلوم تصديق الرّسول.
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر تارةً بسورتي الإخلاص، وتارةً: {قُوْلُوْا آمَنَّاْ بِاللهِ وَمَاْ أُنْزِلَ إِلَيْنَاْ} الآية؛ فإنّها تتضمّن الإيمان، والإسلام. وبالآية من آل عمران: {قُلْ يَاْ أَهْلَ الْكِتَاْبِ تَعَاْلَوْا إِلَىْ كَلِمَةٍ سَوَاْءٍ بَيْنَنَاْ وَبَيْنَكُمْ}
والذين سلكوا خلف أبي حامد، أو ضاهوه في السلوك؛ كابن سبعين، وابن عربي، صرّحوا بحقيقة ما وصلوا إليه، وهو أنّ الوجود واحد، وعلموا أنّ أبا حامد لا يُوافقهم على هذا فاستضعفوه، و نسبوه إلى أنّه مقيّد بالشرع والعقل
وأبو حامد بين علماء المسلمين، وبين علماء الفلاسفة. علماء المسلمين يذمّونه على ما شارك فيه الفلاسفة ممّا يُخالف دين الإسلام. والفلاسفة يعيبونه على ما بقي معه من الإسلام، وعلى كونه لم ينسلخ منه بالكليّة إلى قول الفلاسفة ولهذا كان الحفيد ابن رشد يُنشد فيه:
يوماً يمان إذا ما جئتَ ذا يمنٍ
وإن لقيتَ معديّاً فعدناني
وأبو نصر القشيريّ، وغيره ذمّوه على الفلسفة، وأنشدوا فيه أبياتاً معروفة، يقولون فيها:
برئنا إلى الله من معشر
بهم مرضٌ من كتاب الشفا
وكم قلت يا قوم أنتم على
شفا حفرة ما لها من شَفا
فلما استهانوا بتعريفنا
رجعنا إلى الله حتى كفا
فماتوا على دين رسطالس
وعشنا على سنة المصطفى
ولهذا كانوا يقولون: أبو حامد قد أمرضه الشفاء وكذلك الطرطوشي ، والمازري وابن عقيل، وأبو البيان وابن حمدين، ورفيق أبي حامد؛ أبو نصر المرغيناني، وأمثال هؤلاء لهم كلامٌ كثيرٌ في ذمّه على ما دخل فيه من الفلسفة. ولعلماء الأندلس في ذلك مجموع كبير
ولهذا لما سلك خلفه ابن عربي، وابن سبعين، كان ابن سبعين في كتاب البد وغيره، يجعل الغاية هو المقرّب؛ وهو نظير المقرّب في كلام أبي حامد، ويجعل المراتب خمسة: أدناها الفقيه، ثمّ المتكلّم، ثمّ الفيلسوف، ثمّ الصوفيّ الفيلسوف؛ وهو السالك، ثمّ المحقّق
وابن عربي له أربع عقائد: الأولى: عقيدة أبي المعالي وأتباعه مجرّدة عن حُجّة. والثانية: تلك العقيدة مبرهنة بحججها الكلاميّة. والثالثة: عقيدة الفلاسفة؛ ابن سينا وأمثاله الذين يُفرّقون بين الواجب والممكن. والرابعة: التحقيق الذي وصل إليه؛ وهو أنّ الوجود واحد
وهؤلاء يسلكون مسلك الفلاسفة الذي ذكره أبو حامد في ميزان العمل؛ وهو: أنّ الفاضل له ثلاث عقائد: عقيدة مع العوامّ يعيش بها في الدنيا؛ كالفقه مثلاً. وعقيدة مع الطلبة يدرّسها لهم؛ كالكلام. والثالثة: سرٌ لا يطّلع عليه أحدٌ إلا الخواصّ
ولهذا صنّف الكتب المضنون بها على غير أهلها، وهي فلسفة محضة، سلك فيها مسلك ابن سينا.
ولهذا يجعل اللوح المحفوظ هو النّفس الفلكيّة إلى أمور أخرى قد بُسطت في غير هذا الموضع، ذكرنا ألفاظه بعينها في مواضع؛ منها: الردّ على ابن سبعين وأهل الوحدة، وغير ذلك
المصدر: كتاب النوبات
2. إثبات اكتساب النبوة
قال ابن تيمية في الصفدية : "ولهذا عظم نكير الناس على صاحب كيمياء السعادة وصاحب المضنون به على غير أهله ومشكاة الأنوار لما كان في كلامه ما هو من جنس كلام هؤلاء الملاحدة وقد عبر عنه بالعبارات الإسلامية والإشارات الصوفية وبسبب ذلك اغتر صاحب خلع النعلين وابن سبعين وابن عربي وأمثالهم ممن بنى على هذا الأصل الفاسد ..
فهؤلاء الملاحدة يدعون أن خطابه لموسى بن عمران ليس هو إلا ما حصل في نفس موسى من الإلهام والإيحاء
والواحد من أهل الرياضة والصفاء قد يخاطب كما خوطب موسى بن عمران وأعظم من ذلك وأنه قد يسمع نفس الخطاب الذي سمعه موسى كما زعم ذلك صاحب الأحياء في بعض المواضع وأن قيل أنه رجع عن ذلك"
3. انتحال قول الفلاسفة في كلام الله الذي هو أسوأ من قول من يقول القرآن مخلوق
قال ابن تيمية وهو يذكر أقوال الناس في القرآن: " الأول : " قول المتفلسفة " ومن وافقهم من متصوف ومتكلم كابن سينا وابن عربي الطائي وابن سبعين وأمثالهم ممن يقول بقول الصابئة الذين يقولون إن كلام الله ليس له وجود خارج عن نفوس العباد ؛ بل هو ما يفيض على النفوس من المعاني : إعلاما وطلبا : إما من العقل الفعال كما يقوله كثير من المتفلسفة وإما مطلقا كما يقوله بعض متصوفة الفلاسفة . وهذا قول الصابئة ونحوهم . وهؤلاء يقولون : الكلام الذي سمعه موسى لم يكن موجودا إلا في نفسه وصاحب " مشكاة الأنوار " وأمثاله في كلامه ما يضاهي كلام هؤلاء أحيانا وإن كان أحيانا يكفرهم وهذا القول أبعد عن الإسلام ممن يقول : القرآن مخلوق" (الفتاوى 12 163)
4. انتحال قول الفلاسفة في الشفاعة الذي هو أعظم شركا من دين المشركين العرب وإبطال تصرف الله في الكون وإجابته الدعاء وعبادة أرواح الموتى وإبطال علم الله بالجزئيات
قال ابن تيمية: "وقوم آخرون يقولون: إنه بنفس توجههم إلى ما يدعونه ويحبونه يحصل مقصودهم، وإن كان ذلك المدعو لا يعرف أن هذا دعاه ولا توجه إليه، وهذا قول المتفلسفة كابن سينا، وصاحب الكتب المضنون بها، ونحوهم، ويقولون: إذا توجه الإنسان إلى ما يتوجه إليه من أرواح الموتى فإنه يفيض عليه ما يفيض من غير علم من ذلك الشفيع، وشبهوا ذلك بشعاع الشمس، فإنه يظهر في المرآة، ثم ينعكس على ما يقابلها من حائط، أو ماءٍ، من غير شعور من المرآة.
وذلك أن هؤلاء عندهم أن الله لا يعلم الجزئيات، ولا يحدث في العالم شيئًا، وعندهم تأثير دعاء بني آدم كله من هذا الباب، وهو أن الداعي إذا جمع همّه، وتوجه نحو ما يدعوه؛ قويت نفسه حتى حصل بها المطلوب من غير أن يكون الله علم بذلك، والمؤثر عندهم هو النفس، فالنفس الفلكية عندهم هي الحركة للفلك، وجميع الحوادث عنها" (القاعدة العظيمة 136)
قال ابن تيمية : وفي كلام أبي حامد في المضنون به على غير أهله و نحوه ما مشى فيه على منهاج ابن سينا ولهذا اشتد نكير العلماء على أبي حامد لما في كلامه من أصول الفلاسفة الملحدين وهم بنوا الشفاعة على أصلهم الفاسد وهو أن الله عندهم لا يحدث شيئا بمشيئته و اختياره بل لا سبب للحوادث إلا حركة الفلك فلهذا لم يثبتوا لله تعالى إجابة سائل ولا إحداث أمر وقد بسط الكلام على مذاهب هؤلاء في غير هذا الموضع وأصولهم لا أفسد منها" (الرد على البكري 137)
وقال:" وهذا قد يوجد في كلام أبي حامد و كثير من متأخري المتصوفة والمتكلمين، أدخلوا في دين الحنفاء من دين المشركين، حتى صنف بعضهم تصنيفاً في ذلك مثل مصنف الرازي في "السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم" (الرد على البكري 576)
وقال: "وهذه المعاني ذكرها طائفة من الفلاسفة ومن أخذ عنهم كإبن سينا وأبي حامد وغيرهم وهذه الأحوال هي من أصول الشرك وعبادة الأصنام وهي من المقاييس الفاسدة التي قال عنها بعض السلف ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس
وهي من أقوال من يقول إن الدعاء إنما تأثيره بكون النفس تتصرف في العالم لا بكون الله يجيب الداعي" (الرد على البكري ص. 507)
5. تأويل الملائكة بالعقول الفعالة وقوى النفوس
قال ابن تيمية: "ومن يجمع بين كلامهم وبين ما جاءت به الرسل يجعل هذه المجردات التي هي في الحقيقة خيالات ملائكة الله التي أخبرت بها الرسل
وقد بينا في غير هذا الموضع أن من نزل الملائكة على ما يدعيه هؤلاء من هذه المجردات كان من أجهل الناس وأكفرهم
فإنه قد ذكر من أصناف الملائكة وأوصافهم ما تبين أنه أبعد الأشياء عن هذه ولهذا يصيرون إلى جعل الملائكة قوى في النفس صالحة كما يجعلون الشياطين كذلك
ومن سمع ما أخبر الله به في القرآن والسنة عن الملائكة والشياطين علم أن بين هذا وهذا من الفرق ما لا يخفى على أدنى الناس علما بما جاءت به الرسل
وما يقوله هؤلاء إنما يلبسون على الناس بعباراتهم الغريبة وبمن أضلوه من متكلم متصوف حتى اخذ عبارات المسلمين مما جاء بها الكتاب والسنة فنزلها على معاني هؤلاء الكفرة الملحدين كما يوجد مثل ذلك في كلام صاحب رسائل إخوان الصفا وصاحب جواهر القرآن ومشكاة الأنوار ومن سلك هذا السبيل من فيلسوف قرمطي ومشارك له في بعض ذلك وإن كان فيه من التصوف الإسلامي ما يباين به القرمطي لكن يشاركه من وجه ويفارقه من وجه
وما أحسن ما قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري فيمن هو خير من هؤلاء أخذوا أصل الفلسفة فلبسوه لحاء الإسلام وهو كما قال الحلية حلية مسلم والعبارة عبارة مسلم والمعرفة والقصد ليست معرفة المسلمين ولا قصد المسلمين بل ذلك سبيا الزنادقة المنافقين أعداء الرسل وسوس الملل" (بيان تلبيس الجهمية ج 5 ص. 267)
6. زعمه أن العقل الفعال الذي يسمى ملكا هو مبدع ما تحته من المخلوقات
قال ابن تيمية عن كتاب أبي حامد مشكاة الأنوار: ويشتمل على أمور باطلة وهي في أنفسها مخالفة للشرع والعقل مثل ما فيه من أن ملكا من الملائكة وهو العقل الفعال مبدع لجميع ما تحته من المخلوقات أو أن الملائكة يسمونها العقول والنفوس أبدع بعضها بعضا أو أن عالم الشهادة هو المحسوسات وعالم الغيب المعقولات أو أن تفسير القرآن هو مثل تعبير الرؤيا وأمثال ذلك مما ليس هو من قول المسلمين واليهود والنصارى بل من أقوال الملاحدة من الصابئين والفلاسفة والقرامطة" (السبعينية ص. 215)
7. جعله الملائكة خارجة عن ملك الله اتباعا للدهرية
قال ابن تيمية: منهم من يُفَرِّق بين عالم الملك والملكوت والجبروت فيجعل هذا عالم العقول وهذا عالم النفوس وهذا يوجد في كلام أبي حامد وأمثاله وهو مبنيٌّ على قول الفلاسفة الدهرية الذين يجعلون الملائكة خارجة عن ملك الله ويقولون إنهم ليسوا أجسامًا يُشار إليها ولا تصعد ولا تنزل ولا توصف بحركة ولا سكون ولا هي داخل الأفلاك ولا خارجها ولا تُرَى ولا يُسْمع لها كلام وليس هذا من دين أهل الملل المسلمين ولا غيرهم" (الرد على الشاذلي ص. 37)
8. تأويله اللوح المحفوظ والقلم والجبروت
قال ابن تيمية: "وهؤلاء قد يسمون العقل القلم ويسمون النفس الفلكية اللوح ويدَّعون أن ذلك هو اللوح المحفوظ في كلام الله ورسوله ولهذا يدَّعي أحدهم أنه اطلع على اللوح المحفوظ وأنه أخذ مريديه من اللوح المحفوظ وفي كلام صاحب الحزب وغيره من ذلك وأخذوا ذلك من كلام أبي حامد الغزالي في ميزان العمل وجواهر القرآن والمضنون به على غير أهله وغير ذلك.
فإنه يجعل اللوح عبارة عن النفس ويجعل الفلك عبارة عن العقل الأول كما يجعل الملك والملكوت والجبروت عبارة عن الجسم والنفس والعقل وصاحب الحزب دخل في هذا الباب كما دخل فيه ابن عربي" (الرد على الشاذلي ص. 141)
9. تفضيل ابن تيمية جهم بن صفوان على أبي حامد ومن تبعه من الفلاسفة في كتبه المضنون بها الفلسفية
قال ابن تيمية: "وفي كلام أبي حامد أحيانًا إشارة إلى ذلك هو قريب من مذهب جَهْم بن صفوان ومن وافقه كالصالحي والأشعري في أحد قوليه الذي يجعل الإيمان مجرد العلم بالله.
لكنْ جهمٌ وأتباعه خير من هؤلاء من جهتين من جهة أن ما عندهم من العلم بالله أكثر وأصح مما عند هؤلاء
ومن جهة أن الأعمال عندهم لها ثواب وعقاب ومن جهة أن لهم من المعرفة بكتاب الله وملائكته ورسوله وغير ذلك من معارف من جنسه ما ليس لهؤلاء
وإذا كان جَهْمٌ خيرًا من هؤلاء من جهات كثيرة وقد عرف كلام السلف والأئمة في جهم فكيف يكون هؤلاء عند سلف الأمة وأئمتها ولهذا يوافقون جهمًا على نفي الصفات وهم وجهمٌ في ذلك أشد من المعتزلة وهم يميلون إلى الجبر والإرجاء كمذهب جهم فهم بالجهمية أشبه منهم بالمعتزلة وإن كانت الجهمية خيرًا منهم من وجوه كثيرة. (الرد على الشاذلي ص. 198)
10. جعله العبادات وسائل لتهذيب النفس
قال ابن تيمية: "ولمَّا كان أصل هؤلاء أن العبادات والأخلاق إنما هي وسائل إلى مجرد العلم كان المصنفون على طريقهم في الفلسفة كابن سينا والرازي في المباحث المشرقية وغيرها يجعلون الكلام في الأخلاق والسياسات المنزلية والبدنية تنتظمُ الكلامَ في الشرائع الإلهية التي جاءت بها الأنبياء كمباني الإسلام الخمس من الصلاة والزكاة والصيام والحج فيجعلون هذه وأمثالها تتعلق بعلوم الأخلاق والسياسات.
ومقصود ذلك إما سياسة الأخلاق وإما سياسة العالم للعدل في الدنيا ودفع ظلم بعضهم عن بعض لا لأن ذلك يوجب السعادة في الآخرة ولا جزء من الموجب للسعادة ولا هو بنفسه كمالٌ للنفس بل هو متعة للنفس ووسيلة لها إلى إكمالها.
ولهذا في كلام أبي حامد صاحب الإحياء ما يميل إلى هذا كجعله منفعة علم الفقه في الدنيا فقط وكما يذكره من أن مقصود علوم المعاملات تصفية النفس فيحصل لها علم المكاشفة. وتقسيم الأمر إلى ملك وملكوت وجبروت وهي معاني الفلاسفة وعُبِّر عنها بعبارات إسلامية لم يقصد بها الرسول ما يقصده هؤلاء فإن هؤلاء يعنون بالمُلك الأجسام وبالملكوت والجبروت النفوس والعقول والنبيُّ (الرد على الشاذلي ص. 203)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق