إثبات أن الجهمية مشركون

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 



إثبات أن الجهمية مشركون

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:

فهذا مقال في بيان بعض وجوه كون الجهمية مشركين

الوجه الأول: أن الجهمية يعبدون غير الله فإن الإله المشوه القبيح الذي يعبدونه ليس هو الله تعالى بل يشبه لا شيء

وقد صرح بذلك كثير من كبار أئمة السلف

قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد: ]بَابُ إِثْبَاتِ السَّمْعِ وَالرُّؤْيَةِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَمَنْ كَانَ مَعْبُودُهُ غَيْرَ سَمِيعٍ بَصِيرٍ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، يَعْبُدُ غَيْرَ الْخَالِقِ الْبَارِئِ، الَّذِي هُوَ سِمِيعٌ بَصِيرٌ[

قال عبد الله بن أحمد رحمه الله في السنة: "](باب) مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَكَلَّمُ فَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ.. حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَطَّارِ، سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ مَعْرُوفٍ، يَقُولُ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَكَلَّمُ فَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ»[


قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: ]حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ يَعْبُدُ صَنَمًا[ (الإبانة الكبرى 6/36)


قال الإمام الدارمي:  ]فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ[


قال الإمام أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية والزنادقة: ]فإذا قيل لهم: فمن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة قالوا: نعم فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرونه[


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح هذه العبارة: " فهنا جعل الكلام مع المسلمين الذين يعبدون الله تعالى والعبادة متضمنة لقصد المعبود وإرادته والقصد والإرادة مستلزم لمعرفته والعلم به فلما قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ثم قالوا هو مجهول لا يعرف بصفة فحينئذ تبين للمسلمين الذين يعبدون الله أنهم لا يثبتون شيئاً يعبدونه وإنما هم منافقون في ذلك لأن ما لا يعرف بصفة يمتنع أن يقصد فيعبد فعرف المسلمون بطلان قولهم أنهم يعبدون الله ويثبتونه " بيان التلبيس 6/496


الوجه الثاني: أنهم يقدمون العقل على النقل وهذا شرك في الرسالة

قال الإمام ابن القيم: "الوجه الثالث والثمانون بعد المائة: أن هؤلاء الذين لم يكتفوا بكتابه حتى سلكوا بزعمهم طريقة العقل وعارضوه به وقدموه عليه من جنس الذين لم يكتفوا به سبحانه إلها حتى جعلوا له أندادا يعبدونهم كما يعبدون الله بل أولئك لم يقدموا أندادهم على الله فهؤلاء جعلوا لله ندا يطيعونه ويعظمونه ويعبدونه كما يعظمون الله ويعبدونه وهؤلاء جعلوا لكتابه ندا يتحاكمون إليه ويقبلون حكمه ويقدمونه على حكم كتابه بل الأمران متلازمان فمن لم يكتف بكتابه لم يكتف به فمتى جعل لكتابه ندا فقد جعل له ندا لا يكون غير ذلك البتة. فلا ترى من عارض الوحي برأيه وجعله ندا له إلا مشركا بالله قد اتخذ من دون الله أندادا ولهذا كان مرض التعطيل ومرض الشرك أخوين متصاحبين لا ينفك أحدهما عن صاحبه فإن المعطل قد جعل آراء الرجال وعقولهم ندا لكتاب الله والمشرك قد جعل ما يعبده من الأوثان ندا له"

الوجه الثالث: ما ذكره محمد بن أسلم الطوسي واستحسنه الإمام أحمد بن حنبل
قال أبو يعقوب المروذي: نَظَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي وَضَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ رَأَتْ عَيْنَاكَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا يُغَلَّظُ رَأْيُ مُحَمَّدٍ مِنْ أُسْتَاذَيْهِ وَرِجَالُهُ مِثْلُهُ، فَتَفَكَّرَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: لَا قَدْ رَأَيْتُهُمْ وَعَرَفْتُهُمْ فَلَمْ أَرَ فِيهِمْ عَلَى صِفَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ"

قال محمد بن أسلم في كتابه هذا:" زَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَقَدْ أَشْرَكُوا فِي ذَلِكَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهُ كَلَامًا فَقَالَ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ كَلَامًا وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ فِي تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكُ} [طه: 12] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكُ} [طه: 11] خَلْقٌ وَلَيْسَ بِكَلَامِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ خَلْقًا قَالَ لِمُوسَى: إِنِّي أَنَا رَبُّكُ، فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ رَبًّا لِمُوسَى دُونَ اللَّهِ. وَقَوْلُ اللَّهِ أَيْضًا لِمُوسَى فِي تَكْلِيمِهِ: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعَبْدُنِي} [طه: 13] فَقَدٍ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ إِلَهًا لِمُوسَى غَيْرَ اللَّهِ. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى لِمُوسَى فِي تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ قَوْلُهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَاللَّهُ قَالَهُ زَعَمَ أَنَّهُ خَلْقٌ فَقَدْ عَظُمَ شِرْكُهُ وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ خَلْقًا قَالَ لِمُوسَى: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ لِلْعَالَمِينَ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ فَأَيُّ شِرْكٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، فَتَبْقَى الْجَهْمِيَّةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ كُفْرَيْنِ اثْنَيْنِ أَنَّ زَعْمًا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى فَقَدْ رَدُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَفَرُوا بِهِ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] خَلْقٌ فَقَدْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَفِي هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَيَانٌ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا بَيَانُ شِرْكِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ خَلْقٌ، وَقَوْلُ اللَّهِ خَلْقٌ وَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ خَلْقٌ"

وقال يزيد بن هارون : "والذي لا إله إلا هو ما هم إلا زنادقة وقال مشركون"
الوجه الرابع: قد صرح كثير من الأئمة أن الجهمية أسوأ حالا ومقالا من المشركين واليهود والنصارى وقد سردت كثيرا من أقوالهم في هذا المقال: http://abo-musa.blogspot.com/2014/07/blog-post_31.html

ومنها قول الإمام الطبراني: " من قال: إنه مخلوق، فهو شر من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان" كما في الحجة على تارك المحجة 2/484

وقول أبي عبيد القاسم بن سلام: " من قال هذا (أي أن الله لا يتكلم) فليس شيء من الكفر إلا وهو دونه ومن قال هذا فقد قال على الله ما لم يفعله اليهود والنصارى ومذهبه التعطيل للخالق" الرد على الجهمية للبخاري 54

الوجه الخامس: الجهمية أيضا من المتحاكمين إلى الطاغوت في أصل أصول الدين فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله

وفقد سمى الإمام ابن القيم أصلهم في تقديم العقل على النقل طاغوتا فقال: " الفصل الرابع والعشرون: في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان "

الوجه الخامس: أن القرآن قد قامت الدلائل القطعية والبراهين اليقينية على أنه من عند الله ومن قوله ومن زعم أنه مخلوق فقد زعم أن الخلق قد جاء بما يختص به الله وهذا شرك

قال الإمام أبو جعفر بن نحاس (338 ه): قال أَبِو إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ السُّرِّيِّ كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، قَالَ وَهَذَا مِنَ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْبَرَاهِينِ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِشْرٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَإِذَا كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مَا لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَجَعَلَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ شَرِيكًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ وَحُسْنِهِ"

فقد تبين لنا مما سبق الأمور التالية: 

1. أن الجهمية يعبدون غير الله ويشركون به
2. أنهم يشركون في الرسالة ويتحاكمون إلى الطواغيت في أصل أصول الدين
3. أنهم أغلظ كفرا من اليهود والنصارى وكثير من المشركين

فمع ذلك كله لم يكفر السلف من لم يكفر الجهمية المشركين الذين يعبدون غير الله بالإطلاق الذي يدعيه الشيخ الحازمي هداه الله لكن فصلوا وقيدوا 

قال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم في عقيدة أبيه وأبي زرعة "أصول السنة واعتقاد الدين": سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ , وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ , وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَا: » أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازًا وَعِرَاقًا وَشَامًا وَيَمَنًا فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمُ.. (فذكر الأشياء ثم قال) وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ وَ لا يَجهلُ "فَهُوَ كَافِرٌ"

فهذا هو مسلك السلف فمن خالفهم بعد العلم بإجماعهم فهو مبطل صاحب هوى مريد المخالفة للسلف ومستحق للهجر


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي