رد على عبارة منسوبة إلى ابن تيمية في عدم تكفير أحد ممن حافظ على الصلوات

  بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:




بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 
قال الذهبي: 
رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي ، سمعت أبا حازم العبدوي ، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول : لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد ، دعاني فأتيته ، فقال : اشهد علي أني لا أكفر [ أحدا ] من أهل القبلة ; لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد ، وإنما هذا كله اختلاف العبارات .
قلت : وبنحو هذا أدين ، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة ، ويقول : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم

قلت: هذا النقل ما أكثر الاحتجاج به اليوم ممن يميل إلى تكافؤ الأدلة كحال المابعدية والحنابلة الجدد وغلاة الحركية وأمثالهم
والجواب على هذا يكون من وجوه: 
 
الأول: هل تعقلون أن ظاهر هذا النقل يتضمن عدم تكفير الاتحادية والقرامطة الباطنية والعلمانيين ومنكري السنة والبهائية والقديانية ووغلاة الإمامية الرافضة و غلاة القدرية منكري العلم وأصحاب وحدة الأديان إلخ؟ فجميعهم يتجهون إلى القبلة ويصلون الصلوات الخمس ويحافظون على الوضوء فهل مرادكم أنهم أيضا داخلون في هذا الكلام؟ 
فإن قالوا نعم دخلوا على عظائم وانتحلوا قولا كفريا مخالفا لإجماع الطوائف 
فإن قالوا لا بل غير داخلين فقد أقروا بأن هذا النقل قابل للتخصيص ولعل له سياقا أسقطه الذهبي 
 
الثاني: قول ابن تيمية إذا فُهم بهذا المعنى فالسلام على كتاب المرتد من الكتب المذهبية وجميع ما تكلم به الفقهاء في أصناف المرتدين فإن أكثرها يستمر ينسب نفسه إلى الإسلام ويصلي الصلوات مع انتحاله ما يناقض الإسلام   وينافيه
واللطيف أن كثيرا ممن يحتج بهذا النقل من مدعي المذهبية فهل المذهبية عندكم خيط سحارة تمدونها هكذا فتجيء بالوهابية الجهلة المخالفين للفقهاء وتمدونها هكذا فتجيء بإلغاء كتاب المرتد الذي له وجود حتى في المعتمد المتأخر؟
 
الثالث: الحافظ الذهبي لم يكن صاحب رسوخ في العقيدة السلفية وولم يكن تلميذا مناصرا لابن تيمية بل  كان يوافقه في كثير من الأشياء المهمة مع مخالفة له في الأصول والفروع كما صرح الذهبي بنفسه
بل وكان الذهبي يرد على تلاميذه المخلصين للشيخ المناصرين له وينسبهم إلى الفتن تارة وإلى عقائد الخوارج تارة أخرى وأحيل من يريد التفاصيل إلى هذا الشريط  https://www.youtube.com/watch?v=lim-lOYJOw4
وقد كان الذهبي أصلا ينسب ابن تيمية إلى الطعن في العلماء فهو مخالف له في هذا الباب فكيف يعتمد نقل المخالف الذي يناقض ما تواتر عن الشيخ في جميع كتبه وما عليه تلاميذه المخلصين كابن القيم؟ أليس هذا من اتباع الهوى؟ 

الرابع: في كتب ابن تيمية الأخيرة التي ألفها في قلعة دمشق قبل مماته فيها أحكام شديدة على ا لمخالفين وتسمية من يحافظ على الوضوء مع الاستغاثات والنذور والاعتقادات في المقبورين مشركين!  
 
قال شيخ الإسلام عن الأخنائي: "فهؤلاء المشركون والمفترون مثل هذا المعترض وأمثاله المستحقين للجهاد، وبيان ما دعوا إليه من الضلال والفساد، وما نهوا عنه من الهدى والرشاد، ولتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله"
 
فمتى حصل هذا التغير المزعوم الذي يزعمه الذهبي وفي كتبه الأخيرة المؤلفة قبل الممات يقرر  نفس المعاني التي كان عليه طول عمره
 
الخامس:  لشيخ الإسلام في جامع الفصول رسالة مستقلة في أن القول بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة وآخر زندقة وهذا في الفقهيات
فما بالك بمن نسبه إلى ذلك في أصول العقائد؟

السادس: وهو الأهم أن ابن تيمية رجل سلفي من أوله إلى آخره جعل اتباع السلف عنوان حياته فأين في كلام السلف مثل هذه العبارات "لا نكفر أحدا مهما اعتقد من عقيدة" "كلهم يشيرون إلى رب واحد وان اختلفت العبارات" إلخ؟ بل معلوم مشهور أنهم كفروا كثيرا من المتسبين إلى القبلة من الجهمية وغلاة القدرية وغلاة الروافض إلخ
فلا نقبل كلاما مجردا عن حجة سلفية من أي أحد كائنا من كان حتى لو كان شيخ الإسلام ابن تيمية
 
السابع: قال ابن تيمية في التسعنية "كان غالب أئمتهم يقولون بتكافؤ الأدلة في هذه المسألة ونحوها ، ويصيرون فيها إلى الوقف والحيرة، ثم هم مع ذلك قد يعتقدون أن الإسلام لا يتم إلّا بما ادعوه من القول بهذا الحدوث، فيكون ذلك سببًا لنفاقهم وزندقتهم، وذلك باطل، ليس هذا من أصل الإسلام في شيء، واعتبر ذلك بابن الراوندي  الذي يقال: إنه أحد شيوخ الأشعري وقد فرح أصحاب الأشعري بموافقته، وموافقة أبي عيسى الوراق لهم على إثبات كلام النفس، ومع هذا فله كتاب مشهور سماه كتاب "التاج" في قدم العالم، وذكر الأشعري أنه في كتابه الكبير وهو "الفصول" ذكر علل الملحدين والدهريين مما احتجوا به في قدم العالم، وتكلم عليها، وأنه استوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب  التاج، وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم وقد 
قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقرَّ بتكافؤ الأدلة  واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه وهي مسألة حدوث  الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب "المطالب العالية"  بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات العقول. ولهذا كان الغالب على أتباعهم الشك والارتياب في الإسلام

والرواية عن تقبل الأشعري لتكافؤ الأدلة هي هي هذه الرواية من زاهر بن أحمد فتأملوا بارك الله فيكم أنه جعل تغير أبي الحسن هذا محل ذم لا منقبة ولا مسلكا متبعا! 

الثامن: قال يوسف بن عبد الهادي الحنبلي:، "ثُمَّ ذَكَرَ ابن عساكر عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ حَضَرَ الأَشْعَرِيَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ يَلْعَنُ الْمُعْتَزِلَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لا أُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، لأَنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ اخْتِلافُ الْعِبَارَاتِ، ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ هَذَا مَنْقَبَةٌ، وَأَرَاهُ مَذَمَّةً لأَنَّهُ مَيْلٌ إِلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ"

فهذا يوسف بن عبد الهادي الذي هو أقرب إلى نمط الحنابلة المتأخرين من ابن تيمية بكثير يجعل موقف أبي الحسن محل ذم وأنتم عادة في مثل هذه المواقف تتشبثون بالمعتمد أن الحنالبة استدركوا على الشيخ إلخ فأين أنتم من كلام ابن عبد الهادي؟



هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي