حديث أبي رزين العقيلي الطويل في البعث والنشور والصفات والعذر بالجهل والرد على من يضعفه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:



فقد روى الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند حديثا كبيرا جليلا فيه من الفوائد ما لا يخصى في كثير من المسائل العقدية

قال عبد الله في زوائده: كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْتُهُ وَجَمَعْتُهُ عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ فَحَدِّثْ بِذَلِكَ عَنِّي قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ السَّمَعِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الْقُبَائِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ دَلْهَمٌ وَحَدَّثَنِيهِ أَبِي الْأَسْوَدُ عَنِ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ

أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ

قَالَ لَقِيطٌ فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْسِلَاخِ رَجَبٍ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَلَا لَأُسْمِعَنَّكُمْ أَلَا فَهَلْ مِنْ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ أَوْ يُلْهِيَهُ الضُّلَّالُ أَلَا إِنِّي مَسْئُولٌ هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا اسْمَعُوا تَعِيشُوا أَلَا اجْلِسُوا أَلَا اجْلِسُوا

قَالَ فَجَلَسَ النَّاسُ وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَهَزَّ رَأْسَهُ وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقَطِهِ فَقَالَ ضَنَّ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنْ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ

قُلْتُ وَمَا هِيَ

قَالَ عِلْمُ الْمَنِيَّةِ قَدْ عَلِمَ مَنِيَّةَ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ قَدْ عَلِمَهُ وَلَا تَعْلَمُونَ وَعَلِمَ مَا فِي غَدٍ وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلَا تَعْلَمُهُ وَعَلِمَ الْيَوْمَ الْغَيْثَ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ آدِلِينَ مُشْفِقِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَكُمْ إِلَى
قُرْبٍ

قَالَ لَقِيطٌ لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا

<قال رسول الله> وَعَلِمَ يَوْمَ السَّاعَةِ

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنَا مِمَّا تُعَلِّمُ النَّاسَ وَمَا تَعْلَمُ فَإِنَّا مِنْ قَبِيلٍ لَا يُصَدِّقُونَ تَصْدِيقَنَا أَحَدٌ مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِي تَرْبَأُ عَلَيْنَا وَخَثْعَمٍ الَّتِي تُوَالِينَا وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا
قَالَ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَصْبَحَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ يُطِيفُ فِي الْأَرْضِ وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ فَأَرْسَلَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاءَ بِهَضْبٍ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ وَلَا مَدْفِنِ مَيِّتٍ إِلَّا شَقَّتْ الْقَبْرَ عَنْهُ حَتَّى تَجْعَلَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ فَيَسْتَوِي جَالِسًا فَيَقُولُ رَبُّكَ مَهْيَمْ لِمَا كَانَ فِيهِ يَقُولُ يَا رَبِّ أَمْسِ الْيَوْمَ وَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ

فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تُمَزِّقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ

قَالَ أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ الْأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ فَقُلْتَ لَا تَحْيَا أَبَدًا ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا السَّمَاءَ فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ شَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ مِنْ الْمَاءِ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الْأَرْضِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْأَصْوَاءِ وَمِنْ مَصَارِعِهِمْ فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْنَا

قَالَ أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْ أَنْ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِذَا لَقِينَاهُ

قَالَ تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيَأْخُذُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنْ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ مِثْلَ الْحَمِيمِ الْأَسْوَدِ أَلَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَفْتَرِقُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنْ النَّارِ فَيَطَأُ أَحَدُكُمْ الْجَمْرَ فَيَقُولُ حَسِّ يَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَانُهُ أَلَا فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَأِ وَاللَّهِ نَاهِلَةٍ عَلَيْهَا قَطُّ مَا رَأَيْتُهَا فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وُضِعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنْ الطَّوْفِ وَالْبَوْلِ وَالْأَذَى وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَا نُبْصِرُ

قَالَ بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتْ الْأَرْضُ وَاجَهَتْ بِهِ الْجِبَالَ

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَا نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا وَحَسَنَاتِنَا

قَالَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ما الْجَنَّةُ مَا النَّارُ

قَالَ لَعَمْرُ إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لَثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ مَا مِنْهُمَا بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَى مَا نَطَّلِعُ مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ وَلَا نَدَامَةٍ وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَبِفَاكِهَةٍ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ أَوْ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ

قَالَ الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ

قَالَ لَقِيطٌ فَقُلْتُ أَقُضِيَ مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ فَلَم يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُبَايِعُكَ

قَالَ فَبَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَقَالَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ

قُلْتُ وَإِنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ

فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ شَيْئًا لَا يُعْطِينِيهِ

قَالَ قُلْتُ نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا وَلَا يَجْنِي امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ

فَبَسَطَ يَدَهُ وَقَالَ ذَلِكَ لَكَ تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ إِلَّا نَفْسُكَ قَالَ فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَيْنِ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ

فَقَالَ لَهُ كَعْبُ ابْنُ الْخُدْرِيَّةِ أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ مِنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ

قَالَ فَانْصَرَفْنَا وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ

قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ

قَالَ فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي مِمَّا قَالَ لِأَبِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا الْأُخْرَى أَجْملُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلُكَ

قَالَ وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا إِيَّاهُ وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ

قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ يَعْنِي نَبِيًّا فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الْمُهْتَدِينَ

رواه عبد الله بن أحمد في السنة وزوائد المسند والحاكم في المستدرك وابن خزيمة في التوحيد والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في السنة وابن أبي خيثمة في التاريخ والبيهقي في البعث وغيرهم كثير رووه بكامل سياقه

قلت: هذا حديث جليل كبير القدر عظيم الشأن تلقاه الأئمة بالقبول ولم ينكره أحد ولا تكلم فيه ولا طعن في إسناده بل قابلوه بالقبول والتسليم والانقياد وقالوا: عليه أنوار النبوة

ولم يضعفه أحد إلا أحد الجهمية المتأخرين في القرن التاسع لمخالفته اعتقادَهم الزنديقي ثم تابعه في ذلك أحد المعاصرين المشغبين على كتب السلف فوافقهم وخالف السلف

ونسوق هنا كلام كبار أئمة الحفاظ في هذا الحديث وتصحيحه وتلقيه بالقبول

1. قال ابن القيم: "هذا حديث كبير جليل مشهور، تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النّبُوّةِ وجلالة النبوة بادية على صفحاته تنادي عليه بالصدق
صححه بعض الحفاظ، حكاه شيخ الإسلام الأنصاري

ولا يعرف إلا من حديث أبي القاسم عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، ثم من رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه، وهما من كبار علماء المدينة، ثقتان محتج بهما في «الصحيح» احتج بهما البخاري في مواضع من «صحيحه»

وَرَوَاهُ أَئِمّةُ أَهْلِ السّنّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ وَقَابَلُوهُ بِالتّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ

فَمِمّنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَفِي كِتَابِ " السّنّةِ " وَقَالَ كَتَبَ إلَيّ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزّبَيْرِ الزّبَيْرِيّ كَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْته وَسَمِعْته عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إلَيْك فَحَدّثْ بِهِ عَنّي .

وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النّبِيل ُ فِي كِتَابِ " السّنّةِ " لَهُ .

وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَسّالُ فِي كِتَابِ " الْمَعْرِفَةِ " .

وَمِنْهُمْ حَافِظُ زَمَانِهِ وَمُحَدّثُ أَوَانِهِ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيّوبَ الطّبَرَانِيّ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ .

وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ حَيّانَ أَبُو الشّيْخِ الْأَصْبَهَانِي ّ فِي كِتَابِ " السّنّةِ "

. وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ ابْنُ الْحَافِظِ أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ حَافِظُ أَصْبَهَانَ .

وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مِرْدَوَيْهِ .

وَمِنْهُمْ حَافِظُ عَصْرِهِ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ إسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفّاظِ سِوَاهُمْ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ

رووه في السنة وقابلوه بالقبول وتلقوه بالتصديق والتسليم

وَقَالَ الحافظ أبو عبد الله ابْنُ مَنْدَهْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الصّنْعَانِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدّينِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرّازِيّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُتَكَلّمْ فِي إسْنَادِهِ بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسّنّةِ

وقال أبو الخير عبد الرحيم محمد بن الحسن بن محمد بن حمدان بعد أن أخرجه في «فوائد» أبو الفرج الثقفي: هذا حديث كبير ثابت حسن مشهور

وقد روى منه الإمام أحمد في «مسنده» فصل «الضحك» وروى منه فصل «الرؤية» وروى منه فصل «فأين من مضى من أهلك» وروى منه: «قلت يا رسول اللّه كيف يحيى الموتى» لكن بغير هذا الإسناد، وابنه ساقه بكماله في «مسند أبيه» وفي «السنة».

وسألت شيخنا ابا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة

انتهى كلامه رحمه الله الذي جمعته من مختصر الصواعق وزاد المعاد وحادي الأرواح

2. قال الحاكم النايسبوري بعد أن روى هذا الحديث: " هذا حديث جامع في الباب، صحيح الإسناد، كلهم مدنيون"

3. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ العقيلي - الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ - قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَلَقَّاهُ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْقَبُولِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَة فِي " كِتَابِ التَّوْحِيدِ " وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ إلَّا بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ"

4. قال الحافظ ابن رجب بعد أن ذكره: "وخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وقد ذكر أبو عبد الله بن منده إجماع أهل العلم على قبول هذا الحديث ونقل عباس الدوري ، عن ابن معين أنه استحسنه"

5. قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة: "إسناده حسن"

6. وقال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في أحد أسانيده: "إسناده متصل ورجاله ثقات"

7. قال الآلوسي في روح المعاني"وقد رواه أئمة السنة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد إلى ما لا يحصى من هذا القبيل"

8. قال ابن الوزير (على ما فيه من التجهم): " نحوه من حديث لقيط بن عامر بسندين مرسلٍ ومسندٍ، ورجاله ثقات"

9. قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الكافية: " و الحديث طويل وهو عظيم القدر جدا وفيه من أنواع المعرفة ما ينبغي ان يجد كل أحد في تحصيله، فليرجع إليه من أراد"

10. وللشيخ حمود التويجري في "إتحاف الجماعة" كلام طويل في هذا الحديث استخلص فوائده وشرح غريبه ورد على الحافظ ابن كثير الذي اضطرب قوله في هذا الحديث فمرة قال إنه غريب ومرة قال "حديث مشهور"!

فالحديث الذي أجمع العلماء على قبوله والأخذ به يغتفر فيه ضعف يسير في السند كما هو معلوم في هذا الباب

وقد روي كثير من فصوله بأسانيد أخرى مقبولة في الاعتبار كفصل «الضحك» وفصل «الرؤية» وفصل «فأين من مضى من أهلك» وفصل «قلت يا رسول اللّه كيف يحيى الموتى" وغيرها

والحديث عليه جلالة النبوة وهذه قرينة قوية يعتمد عليها عند علماء الشأن

قال الحافظ ابن كثير كما في الباعث الحثيث: " وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم، يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومُعوجه ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف، والدنانير والفلوس،. فكما لا يتمارى هذا، كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة"

فيعلم بهذا الفرق بين كبار الحفاظ من علماء الحديث وبين من توهم أنه منهم وبينه وبينهم مفاوز! ومع ذلك يجترئ ويجرأ غيره على مخالفة أحكامهم والرد عليهم نسأل الله العافية

أما فوائد هذا الحديث فإن الإمامين الجليلين ابن القيم والتويجري تكلما فيها بما لا مزيد عليه فليراجع زاد المعاد وإتحاف الجماعة

ومن هذه الفوائد عدم إعذار المشركين بالجهل والتأويل والحكم عليهم بالنار وأن الحجة تقوم بمجرد بعثة الرسول

قال ابن القيم: " وقوله: "حيثما مررت بقبر كافر فقل: أرسلنى إليك محمد": هذا إرسال تقريع وتوبيخ، لا تبليغُ أمر ونهى، وفيه دليل على سماع أصحاب أهل القبور كلام الأحياء وخطابهم لهم، ودليلٌ على أنَّ مَن مات مشركاً فهو فى النار وإن مات قبل البعثة لأن المشركين كانُوا قد غيَّروا الحنيفية دينَ إبراهيم، واستبدلوا بها الشِّرك، وارتكبوه، وليس معهم حُجَّة من الله به، وقبحُه والوعيدُ عليه بالنار لم يزل معلوماً مِن دين الرُّسُل كُلِّهم من أولهم إلى آخرهم، وأخبارُ عقوباتِ الله لأهله متداولة بين الأُمم قرناً بعد قرن، فللَّه الحُجَّة البالغة على المشركين فى كل وقت، ولو لم يكن إلا ما فَطَرَ عَبَادَه عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لِتوحيد إلهيته، وأنه يستحيلُ فى كل فِطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يُعذِّب بمقتضى هذه الفِطرة وحدَها، فلم تزل دعوةُ الرُّسُل إلى التوحيد فى الأرض معلومة لأهلها، فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرُّسُل، والله أعلم"

وقال العلامة التويجري في ذكر فوائده: " الفائدة الحادية والأربعون: القطع لكل مشرك بالنار، ويدل على ذلك:
قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
وقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} .
وقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} .
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
وروى: الإمام أحمد، والشيخان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فنادى في الناس: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» .
وفي "صحيح البخاري " أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يلقى إبراهيم أباه، فيقول: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين» .
وفي "مستدرك الحاكم " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة، فلتقطعنه النار؛ يريد أن يدخله الجنة". قال: "فينادى: إن الجنة لا يدخلها مشرك، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك» .... الحديث. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا" هـ


والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2014 © مدونة أبي موسى الروسي