بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
تأملات في حديث من وصى أهله بإحراق نفسه
اقتنيت قبل فترة هذا الكتاب الذي سماه مؤلفه "المسائل العقدية التي خالف فيها بعض الحنابلة اعتقاد السلف" وكان عندي أمل أني سوف أقف على مباحث جيدة واطلاع حسن فإذا بخيبة أمل! فالمؤلف يبدو أنه أجنبي عن الساحة العلمية ويمشي على النظام القديم نظام سلفية شيوخ الثمنينات ولا يريد أن يصحح طرحه في الأمور التي أخذت عليهم ولا أن تتكلم في المعارضات الجديدة للخصوم
وهذا لا يليق بطالب علم شرع في بحث متخصص أنك مو مطلع على شيء مما كتب في الموضوع ولا أنت قرأت كتب الحنابلة المتأخرين الذين تستدرك عليهم أخطائهم
وأسنشر هنا بعض الملاحظات على الكتاب في السلسلة
1. من أعجب مباحث صاحب الكتاب مبحث الزيادة في الإثبات
نعم هناك طائفة من الحنبلية لهم شيء من الزيادة لأنهم اعتمدوا على ما لا يحل اعتماده من الأحاديث الضعيفة والأهوازي خير مثال
لكن المؤلف أدخل إثبات الصفات بالآثار الموقوفة الصحيحة إلى مبحث الزيادة في الإثبات!
وأنت أسميت كتابك هذا "ما خالف فيه بعض الحنابلة اعتقاد السلف" فمن السلف الذين قالوا إن إثبات الصفات بآثار الصحابة الصحيحة زيادة في الإثبات يدخل الرجل في البدع الاعتقادية؟ لا أحد!
بل السلف تواردوا قبول آثار الصحابة في هذا الباب
قال بشر الحافي: ومن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الرأي والابتداع"
قال عبد الله بن المبارك: "صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله وأحاديث رسول الله وأحاديث الصحابة وترك الرأي والقياس فهذا الذي أدركت عليه علمائنا القدماء"
قال الإمام أحمد في أصول السنة: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم"
قال الآجري: "اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع"
قال ابن خزيمة: "ثبت عن ابن عباس إثباته أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه، وبيقين يعلم كل عالم أن هذا من الجنس الذي لا يدرك بالعقول، والآراء والجنان والظنون، ولا يدرك مثل هذا العلم إلا من طريق النبوة، إما بكتاب أو بقول نبي مصطفى، ولا أظن أحدا من أهل العلم يتوهم أن ابن عباس قال: «رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه» برأي وظن، لا ولا أبو ذر، لا ولا أنس بن مالك"
قال ابن عبد البر: "ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات وجاء عن الصحابة وصح عنهم فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة وما جاء في أسماء الله أو صفاته عنهم سلم له، ولم يناظر فيه كما لم يناظروا"
قال السجزي: "ولا يقبل من أحد قولاً (أي في باب الصفات الذي يتكلم عنه) إلا وطالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح"
قال ابن تيمية: القول الشامل في جميع هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وبما وصفه به السابقون"
قال السيوطي: "لتفسير الوارد عن الصحابي فيما يتعلق بأمر الآخرة له حكم الرفع بإجماع أهل الحديث"
ومن تطبيقات ذلك إثبات صفة القدمين لله تعالى وليس في الباب غير أثر ابن عباس الموقوف وقد نقل الإجماع على هذه الصفة غير واحد من كبار أئمة السنة
سئل الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام عن هذا الأثر وغيره فقال: هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم على بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره"
قال الدارمي: "روينا أيها المريسي عن الثقات الأئمة المشهورين، عن ابن عباس رضي اﻟﻠﻪ عنهما في تفسير القدم خلاف ما ادعيت من ﺗﺄويلك هذا
فهذا الذي عر فناه عن ابن عباس صحيحا مشهورا"
سئل أبو زرعة عن هذا الأثر فقال: "صحيح ولا نفسر نقول كما جاء كما هو الحديث"
ونقل عبد الله عن أبيه الإمام أحمد أنه يصحح هذا الأثر ويقول به
قال حرب فيما نقله من اتفاق أهل الحديث: "والكرسي موضع قدميه"
وقال ابن أبي زمنين: "ومن قول أهل السنة : أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين"
قال الطلمنكي: ""أجمعوا على أن ﻟﻠﻪ كرسياً دون العرش وقال ابن عباس ومجاهد: (الكرسي هو موضع القدمين)"
قلت: فما ذنب الحنابلة أنهم اتبعوا إمامهم أحمد وغيره من أئمة أهل الحديث حتى تدخلهم به في البدع الاعتقادية؟
فأنت الظاهر عليك أنك ما قرأت للسلف ولا للحنابلة قراءة وافية ثم تكتب مثل هذه الكتب وتجعلنا مسخرة لابن عبد الواحد وأمثاله
ثم ضرب المؤلف مثلا على الزيادة في الإثبات بالمماسة
وهذا أيضا عجيب فأنت وإن خالفت في هذه المسألة الدقيقة فعلى الأقل عليك باطلاع على حجج المخالفين لك حتى تقيم المسألة حق التقييم!
والظاهر عليك أنك مسكين وأجنبي في الباب ثم تجلس تتفلسف على الحنابلة وعلى السلف بقلة بضاعتك
والمماسة جاءت في الآثار عن أنس بن مالك وعن طائفة من كبار التابعين كعكرمة ومجاهد وعبيد بن عمير وميسرة وخالد بن معدان
وللمنبجي تلميذ ابن القيم مؤلف مستقل في إثبات المماسة فلا أدري على ماذا اعتمد في رأي هذا المؤلف؟ على صحف التوراة والمنامات؟
قال المنبجي: "قال ابن تيمية والمعروف عند أئمة أهل السنة وعلماء أهل الحديث انهم لا يمتنعون عن وصف الله أنه يمس ما شاء من خلقه بل يروون في ذلك الاثار ويردون على من نفاه "
وقال ابن تيمية: "المماسة ليس هذا المعنى مما اتفق على نفيه بل أكثر الصفاتية يجوزون أن الله يمس المخلوقات وتمسه كما يجوزون أن يراها وتراه وأما السلف وأئمة السنة المشاهير فلم أعلمهم تنازعوا في ذلك بل يقرون ذلك كما جاءت به النصوص"
والخطأ في دقيق العلم نعم يغفر لصاحبه لكنك مُقدِم على بحث متخصص فليش لا تتعمق في القراءة والدراسة قبل أن تستدرك على أهل العلم؟
ثم ضربك المثل بعبد الوهاب الوراق إساءة شديدة! فعبد الوهاب لم يقل بالمماسة أصلا إنما قال بالقعود كما رواه الخلال عن عبد الوهاب الوَّراق أنَّه قال: استوى، قال: قعد هـ
وعبد الوهاب وارث علم الإمام أحمد فإنه سئل من يسأل بعدك فقال سلوا عبدالوهاب الوراق فإنه أهل ان يوفق للصواب هـ
وأنت تقعد تنسبه إلى بدع الاعتقاد بظنونك وتخرصاتك والله المستعان
ثم تكلم بهذا الكلام في مسألة إثبات الذراعين والصدر بأثر عبد الله بن عمرو
فيقال له: الإمام أحمد قد روى هذا الأثر ومن طريقه رواه ابنه في كتاب إثبات الصفات فما شأن الحنابلة المتأخرين بذلك؟ بل قل بجرأة: البدعة الاعتقادية عند الإمام أحمد وتلاميذه فيعتقدون الاسرائيليات وقد رد عليهم الإمام البيهقي الأشعري غلطهم الشنيع!
لا أدري ما يدور في رأسهم حين يكتبون مثل هذا وينقلون ردود الأشعرية على أهل السنة وآثار الصحابة
وادعاء البيهقي وأمثاله في الأخذ عن بني إسرائيل قد رد عليه القاضي أبو يعلى فأفاد وأجاد
ثم انتقل المؤلف إلى مسألة الاستغاثة فادعى فيها أنه لم يقف على تجويز الاستغاثة إلا لأربع أشخاص من الحنابلة
وهذا منه إما قصور شديد في البحث إما محاولة تسويق الطائفة المنتقدة على أن مخالفتهم لم تكن بذاك الجلية والخطيرة
قلت: لا نحتاج إلى هذا بل هذه الطائفة المشركة التي انتسبت إلى مذهب أحمد زورا في زمن الدولة العثمانية يجب فضحها وهتك أستارها وتبرئة الإمام أحمد وأصحابه من خبثهم وكفرهم وبيان حقيقة أمرهم فإن فيهم من وصل به الأمر إلى اعتقاد وحدة الوجود وتعظيم أصحابه والدراسة عندهم لكتبهم الكفرية فهل هذول تعتقد أنهم يحرمون الاستغاثة؟!
قال البعلي صاحب كشف المخدرات: "وقرأت على شيخنا العارف بربه الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر قدس سره وحضرت دروسه في تفسير البيضاوي وفي الفتوحات المكية وشرحه على ديوان ابن الفارض ولازمته مدة ثماني سنين وأجازني إجازة عامة "
وعبد الغني من شرار دعاة دين ابن عربي
فهذا يا ترى موافق لنا في التوحيد أم مخالف؟
والملاحظات عليه تكون في عدة الأمور:
1. ذكر المصنف أنه لم يقف على تجويز الاستغاثة إلا من أربع ثم ذكر الصرصري والطوفي والخلوتي والشطي
والغريب أنه أورد عن الخلوتي كالحجة أنه يبيح طلب دعاء الله من النبي أثناء زيارة القبر! فسوى بين طلب الدعاء عند القبر والاستغاثة! فعلى هذا التقرير لماذا لم يدخل إلى هذا ابن قدامة وابن أبي عمر وابن ملفح وغيرهم من المتوسطين الذين كثرت فيهم هذه البدعة؟ لكن الحق أن ثمة فرقا بين طلب الدعاء والاستغاثة
2. ثم ذكر السفاريني والأبيات التي حكم عليها الشيخ ابن عثيمين أنها شرك في الربوبية فتكلم بما معناه أنه يجب إحسان الظن بالعالم الكبير
قلت: السفاريني ليس من الناس الذين يجب إحسان الظن فيهم بل من أعداء دعوة التوحيد وبلغ به الأمر إلى أنه أثناء على عقيدة شرار دعاة وحدة الوجود ودينهم https://twitter.com/abuismailrusi/status/1688556852831780864
وجعلهم من خواص العارفين بالله
قال المجدد: ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز (عالم حنبلي) فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي: من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر. فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟" هـ
3. المجوزون للشرك في الحنابلة المتأخرين في فترة الدولة العثمانية المشؤومة أكثر من الأربع بكثير بل هناك من الأشعار والفتاوى شيء عظيم
بل حتى أمثلهم وهو مرعي الكرمي قال في أشعاره:
يا صاحب القدر الرافيع و من له *** عند الإله وسيلة و مقام
يا مرسلاً للناس حقاً رحمةً *** يا سيداً للمرسلين إمام
يا شافعاً عند الإله بنفسه *** و الناس في يوم القيام زحام
كن شافعاً يا سيدي إن الهوى *** قد ضرني في النَّفسي و هو حرام
وقال: أين قصدتك فاسعف وأدركن هـ
ولا أدري هل رسالته شفاء الصدور يعتبر رجوعا عن هذا؟ أم كان أصلا منحلا لا يبالي بدين ويقول هذا تارة وذاك أخرى؟ وله رسالة في غاية الخبث يدافع فيه عن دين ابن الفارض وابن عربي والعفيف التلمساني وكفرياتهم التي هي هدم لجميع الرسالات والأديان؟
وقال عبد الباقي البعلي: "أرجوك تسعفنا في كشف كربتنا ومحو زلتنا يا سيد الرسل" نقله ابن عوض صاحب الحاشية الذي نقل أيضا رمي ابن تيمية بالزندقة قولا معتبرا!
وآل شطي جميعهم زنادقة عباد قبور كما قال العلامة سليمان بن سحمان
ولا تنس ابن فيروز وابن عفالق وذول الناس الأعداء لدعوة التوحيد فهم ما عادوا من عدم بل عادوا عن سبب وهو انتحالهم الشرك ووحدة الوجود أو موالاة أهله
وعموما : الكتاب فيه فوائد ومباحث جيدة ومؤلفه موحد وسني في الجملة ونحب له الخير ونشكره على الإفادة لكن هذه الكتب لا تكتب بهذا القصور في البحث حتى لا تكون علينا لا لنا
ولا يفهم مما كتبت أني أهدم جهده كله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق