بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قد رأيت بعض الإخوة يطلق الإرجاء على القول بعدم كفر تارك الصلاة بمجرد الترك ولا يفصل في ذلك وهذا غلط بين لأن المسألة وإن كنا نرى فيها أن الأدلة الظاهرة قد دلت على كفره وأن الصحابة قد أجمعوا على ذلك من غير خلاف بينهم نعلمه إلا أن العلماء من السلف الصالحين وفقهاء الأمصار قد وقع فيهم اختلاف في ذلك بعد عصر الصحابة
وهؤلاء العلماء لا علاقة لهم بالإرجاء لا من قريب ولا من بعيد بل هم من أئمة الدين وأعلام السنة وهم أعظم الناس ردا على المرجئة وإمامهم النعمان وبيانا لضلالهم وزيغهم وانحرافهم
وهم اسنتدوا في تقرير هذا القول على بعض الشبه الأثرية لا على أصول المرجئة الفاسدة وغفلوا عن وجود إجماع الصحابة في هذا الباب وتأولوا الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة على أنه في كفر دون كفر واحتجوا على ذلك ببعض الأخبار مثل ما روي في شأن الأمراء الذين يضيعون الصلاوات عن أقواتها وغير ذلك
وقد نص أهل العلم من السلف على أنهم معذورون بخطئهم وتأويلهم
قال الإمام إسحاق بن رهويه رحمه الله تعالى بعد أن بين كفر تارك الصلاة وأن دعواه أنه لا يعتقد تركها كفرا لا ينفعه: "وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَقَالَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ" مجموع الفتاوى 7/309
ومن القائلين بعدم كفر تارك الصلاة حتى يخرج وقتها أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو ثور وسفيان الثوري والمزني وابن سريج وهو منقول عنهم في كتب الخلاف ونقله عنهم محمد بن نصر وغيره
قال محمد بن نصر المروزي: "وكان ممن ذهب هذا المذهب من علماء أصحاب الحديث الشافعى رضى الله عنه وأصحابه أبو ثور وغيره وأبو عبيد فى موافقيهم " تعظيم قدر الصلاة 2/956
أما سفيان فنقل عنه ابن القصار (ت. 398) والنووي في المجموع وغيرهما أنه قال بعدم قتل تارك الصلاة وبحبسه
ونقل عنه ابن القيم قتله والله أعلم
وقد روى عنه ابن نصر قولا صريحا في ذلك قال: " 979 - حدثنا محمد بن عبدة قال سمعت يعمر بن بشر ابا عمرو قال سمعت عبد الله بن المبارك رضى الله عنه قال من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذركفر ثم قال خالفنى سفيان وغيره من أصحاب عبدالله وأنكروه فدخلوا على عبدالله بالزبد انقان فأخبروه أن يعمر روى عليك كذا وكذا ولم ينكره وقال فما قلت أنت فقال سفيان لعبدالله إنه روى عليك كذا وكذا فقال له عبدالله فما قلت أنت قال إذا تركها ردا لها فقال ليس هذا قولى قست على يا أبا عبدالله"
أما المزني فقد نقله عنه عامة الشافعية ومن أقدمهم الماودري في الحاوي 2/525 والشاشي في الحيلة (2/9) وأثبته له ابن القيم في الصلاة وحكم تاركها (ص. 31)
قال الماوردي: "وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ، لَكِنْ يُضْرَبُ عِنْدَ صَلَاةِ كُلِّ فَرِيضَةٍ أَدَبًا وَتَعْزِيرًا"
أما ابن سريج فقد نقله عنه عامة الشافعية وله قول خاص في صفة قتله إذ قال: "لا يقتل صبراً بالسيف لكن لا يزال يضرب حتى يصلي أو يأتي الضرب عليه فيموت" معالم السنن 4/314
وهو (أي عدم التكفير) قول ابن جرير الطبري
قال ابن عبد البر "وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا تَرَكَهَا لِأَنَّهُ ابْتَدَعَ دِينًا غَيْرَ الْإِسْلَامِ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا هُوَ فَاسِقٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَيُسْجَنُ حَتَّى يَرْجِعَ
قَالَ وَالَّذِي يُفْطِرُ رَمَضَانَ كَذَلِكَ
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُنَا وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَعَ شَهَادَةِ النَّظَرِ لَهُ بِالصِّحَّةِ " (الاستذكار 1/237)
وعدم التكفير رواية عن مالك والشافعي كما هو معروف
وقد قال الشافعي في الأم: "حُضُورُ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ فَمَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ تَهَاوُنًا كان قد تَعَرَّضَ شَرًّا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ كما لو أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ صَلَاةً حتى يمضى وَقْتَهَا كان قد تَعَرَّضَ شَرًّا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ" الأم 1/208
وقد نقل عنه غير ذلك ونقل المزني في المختصر يدل على إكفاره تاركَ الصلاة والله أعلم
والخلاصة أن الصحابة وجماهير فقهاء السلف على إكفار تارك الصلاة لكن مع ذلك منهم طائفة أصولها في الإيمان صحيحة ويكفرون بالعمل ولا يصححون الإيمان بلا عمل لكنهم مع ذلك توقفوا في كفر تارك الصلاة لأدلة تأولوها فلا يجوز نسبة تلك القول إلى الإرجاء بالإطلاق
أما من كان تعليله في عدم تكفير تارك الصلاة كتعليل أبي إسحاق الشيرازي الجهمي الذي قال في مهذبه ص. 50 ما نصه: "ولا يكفر بترك الصلاة لأن الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح فلم يحكم بكفره" فهو جهمي وليس المرجئ فقط (وهو حال إمام الإحداث في هذا العصر أيضا)
وكذلك من كان لا يكفر تارك الصلاة لأن العمل عنده شرط كمال في الإيمان فهو مرجئ
وقد نص ابن تيمية رحمه الله على أن من لا يحكم بكفر من ترك الصلاة ثم عرض على السيف وأبى أن يصلي حتى وإن قتل على ذلك فقد دخلت عليه شبهة الإرجاء
والله تعالى أعلم
قد رأيت بعض الإخوة يطلق الإرجاء على القول بعدم كفر تارك الصلاة بمجرد الترك ولا يفصل في ذلك وهذا غلط بين لأن المسألة وإن كنا نرى فيها أن الأدلة الظاهرة قد دلت على كفره وأن الصحابة قد أجمعوا على ذلك من غير خلاف بينهم نعلمه إلا أن العلماء من السلف الصالحين وفقهاء الأمصار قد وقع فيهم اختلاف في ذلك بعد عصر الصحابة
وهؤلاء العلماء لا علاقة لهم بالإرجاء لا من قريب ولا من بعيد بل هم من أئمة الدين وأعلام السنة وهم أعظم الناس ردا على المرجئة وإمامهم النعمان وبيانا لضلالهم وزيغهم وانحرافهم
وهم اسنتدوا في تقرير هذا القول على بعض الشبه الأثرية لا على أصول المرجئة الفاسدة وغفلوا عن وجود إجماع الصحابة في هذا الباب وتأولوا الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة على أنه في كفر دون كفر واحتجوا على ذلك ببعض الأخبار مثل ما روي في شأن الأمراء الذين يضيعون الصلاوات عن أقواتها وغير ذلك
وقد نص أهل العلم من السلف على أنهم معذورون بخطئهم وتأويلهم
قال الإمام إسحاق بن رهويه رحمه الله تعالى بعد أن بين كفر تارك الصلاة وأن دعواه أنه لا يعتقد تركها كفرا لا ينفعه: "وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَقَالَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ" مجموع الفتاوى 7/309
ومن القائلين بعدم كفر تارك الصلاة حتى يخرج وقتها أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو ثور وسفيان الثوري والمزني وابن سريج وهو منقول عنهم في كتب الخلاف ونقله عنهم محمد بن نصر وغيره
قال محمد بن نصر المروزي: "وكان ممن ذهب هذا المذهب من علماء أصحاب الحديث الشافعى رضى الله عنه وأصحابه أبو ثور وغيره وأبو عبيد فى موافقيهم " تعظيم قدر الصلاة 2/956
أما سفيان فنقل عنه ابن القصار (ت. 398) والنووي في المجموع وغيرهما أنه قال بعدم قتل تارك الصلاة وبحبسه
ونقل عنه ابن القيم قتله والله أعلم
وقد روى عنه ابن نصر قولا صريحا في ذلك قال: " 979 - حدثنا محمد بن عبدة قال سمعت يعمر بن بشر ابا عمرو قال سمعت عبد الله بن المبارك رضى الله عنه قال من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذركفر ثم قال خالفنى سفيان وغيره من أصحاب عبدالله وأنكروه فدخلوا على عبدالله بالزبد انقان فأخبروه أن يعمر روى عليك كذا وكذا ولم ينكره وقال فما قلت أنت فقال سفيان لعبدالله إنه روى عليك كذا وكذا فقال له عبدالله فما قلت أنت قال إذا تركها ردا لها فقال ليس هذا قولى قست على يا أبا عبدالله"
قال الماوردي: "وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ، لَكِنْ يُضْرَبُ عِنْدَ صَلَاةِ كُلِّ فَرِيضَةٍ أَدَبًا وَتَعْزِيرًا"
أما ابن سريج فقد نقله عنه عامة الشافعية وله قول خاص في صفة قتله إذ قال: "لا يقتل صبراً بالسيف لكن لا يزال يضرب حتى يصلي أو يأتي الضرب عليه فيموت" معالم السنن 4/314
وهو (أي عدم التكفير) قول ابن جرير الطبري
قال ابن عبد البر "وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا تَرَكَهَا لِأَنَّهُ ابْتَدَعَ دِينًا غَيْرَ الْإِسْلَامِ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا هُوَ فَاسِقٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَيُسْجَنُ حَتَّى يَرْجِعَ
قَالَ وَالَّذِي يُفْطِرُ رَمَضَانَ كَذَلِكَ
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُنَا وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مَعَ شَهَادَةِ النَّظَرِ لَهُ بِالصِّحَّةِ " (الاستذكار 1/237)
وعدم التكفير رواية عن مالك والشافعي كما هو معروف
وقد قال الشافعي في الأم: "حُضُورُ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ فَمَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ تَهَاوُنًا كان قد تَعَرَّضَ شَرًّا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ كما لو أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ صَلَاةً حتى يمضى وَقْتَهَا كان قد تَعَرَّضَ شَرًّا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ" الأم 1/208
وقد نقل عنه غير ذلك ونقل المزني في المختصر يدل على إكفاره تاركَ الصلاة والله أعلم
والخلاصة أن الصحابة وجماهير فقهاء السلف على إكفار تارك الصلاة لكن مع ذلك منهم طائفة أصولها في الإيمان صحيحة ويكفرون بالعمل ولا يصححون الإيمان بلا عمل لكنهم مع ذلك توقفوا في كفر تارك الصلاة لأدلة تأولوها فلا يجوز نسبة تلك القول إلى الإرجاء بالإطلاق
أما من كان تعليله في عدم تكفير تارك الصلاة كتعليل أبي إسحاق الشيرازي الجهمي الذي قال في مهذبه ص. 50 ما نصه: "ولا يكفر بترك الصلاة لأن الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح فلم يحكم بكفره" فهو جهمي وليس المرجئ فقط (وهو حال إمام الإحداث في هذا العصر أيضا)
وكذلك من كان لا يكفر تارك الصلاة لأن العمل عنده شرط كمال في الإيمان فهو مرجئ
وقد نص ابن تيمية رحمه الله على أن من لا يحكم بكفر من ترك الصلاة ثم عرض على السيف وأبى أن يصلي حتى وإن قتل على ذلك فقد دخلت عليه شبهة الإرجاء
والله تعالى أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق